مقدمة
تربط قوانين الجنسية المصرية بين منح الجنسية والحفاظ على الأمن القومي. فالحصول على الجنسية ليس مجرد إجراء إداري، بل يُعد مسألة سيادة تستوجب مراعاة اعتبارات أمنية وسياسية. وقد ظهرت خلال عام ٢٠٢٥ أمثلة عدة لرفض طلبات اكتساب الجنسية لأسباب أمنية، أثارت تساؤلات حول الأساس القانوني والمعايير المستخدمة. تهدف هذه المقالة إلى شرح الإطار القانوني الذي يجيز للسلطات رفض منح الجنسية، وعرض حالات عملية حديثة، ثم تحليل المشكلات العملية وإبداء توصيات.
الأساس القانوني للرفض بسبب الأمن القومي
المادة ١٦ من قانون الجنسية
يمنح القانون رقم ٢٦ لسنة ١٩٧٥ لمجلس الوزراء سلطة إسقاط الجنسية عن أشخاص في حالات محددة ترتبط بالأمن القومي؛ أبرزها: اكتساب جنسية أجنبية بدون إذن، أو الالتحاق بجيش دولة أجنبية دون إذن، أو صدور حكم جنائي بالخارج في جريمة تضر بأمن الدولة، أو العمل لدى جهة أجنبية تضر بالمصالح المصرية، أو الانتماء إلى تنظيمات تسعى إلى تقويض النظام الاجتماعي أو الاقتصادي المصري، أو العمل لصالح دولة في حالة حرب مع مصر أو قطع علاقاتها. وعلى الرغم من أن هذه الحالات تتعلق أساسًا بإسقاط الجنسية، فإن السلطات تستند إليها أيضًا في تقييم طلبات اكتساب الجنسية؛ فالشخص الذي يندرج تحت إحدى هذه الحالات يعد غير أهل للحصول على الجنسية لأسباب أمنية.
القانون ١٥٤ لسنة ٢٠٠٤
أدخل تعديل عام ٢٠٠٤ على قانون الجنسية بعض النصوص المتعلقة بمنح الجنسية للزوجة الأجنبية والأبناء من أم مصرية. لكنه نص في المادة ٣ (فقرة ثانية) على أن منح الجنسية للأجانب «لا يكون لمن يشكل وجوده خطرًا على الأمن العام أو النظام العام أو الصحة العامة». هذه الصياغة الفضفاضة أعطت للسلطات مساحة واسعة لرفض الطلبات إذا رأت تهديدًا محتملاً.
حالات عملية لرفض الجنسية لدواعٍ أمنية
رفض طلب مواطنَين فلسطينيين (يوليو ٢٠٢٥)
في يوليو ٢٠٢٥ أعلنت وزارة الداخلية رفض طلبي شخصين من أصول فلسطينية للحصول على الجنسية المصرية لأسباب أمنية. أوضح القرار أن أحدهما قدم طلبًا بموجب المادة ١١ من القانون المعدل، لكن تقارير الأجهزة المختصة أشارت إلى أنه يشكل خطرًا على الأمن العام، فقُوبل طلبه بالرفض. وفي القضية الثانية رُفض الطلب استنادًا إلى المادة ٦ من القانون ١٥٤ لسنة ٢٠٠٤ التي تجيز رفض منح الجنسية للأجنبي إذا توافرت أسباب أمنية. نُشرت هذه القرارات فى الجريدة الرسمية، ما يؤكد نهائية موقف الوزارة.
رفض طلب يمنى ولد بمصر (يونيو ٢٠٢٥)
فى يونيو ٢٠٢٥ رفضت وزارة الداخلية تجنيس شاب يمنى مولود في القاهرة من أم يمنية متزوجة من مصرى، بحجة وجود تقارير أمنية تفيد بأنه يمثل خطرًا على الأمن القومي. استند القرار إلى المادة ٣ من قانون الجنسية المعدل، التى تضع الاعتبارات الأمنية فوق الحق فى التجنيس. رغم أن القانون يسمح لمن ولد لأم مصرية بالتقدم لطلب الجنسية، إلا أن السلطة استعملت سلطتها التقديرية وفضّلت حماية الأمن.
قرارات أخرى
في الفترة ذاتها صدرت قرارات مشابهة بحق متقدمين آخرين من جنسيات مختلفة، منهم طالب سوري وفلسطيني مقيم بالسودان، حيث رُفضت طلباتهم استنادًا إلى تقارير أمنية مجهولة دون توضيح التفاصيل. تعكس هذه الحالات اعتمادًا واسعًا على الاعتبارات الأمنية.
المشكلات العملية والإجرائية
غموض المعايير الأمنية
يواجه المتقدمون مشكلة عدم وجود تعريف واضح لمصطلح «الخطر على الأمن العام». فالقانون لم يحدد طبيعة هذا الخطر أو معاييره، ما يترك الأمر للتقدير الأمني دون رقابة واضحة. ويترتب على ذلك إمكانية رفض الطلب استنادًا إلى معلومات سرية لا يستطيع المتقدم الاطلاع عليها أو الرد عليها، وهو ما يحد من ضمانات الشفافية والعدالة.
غياب حق الدفاع وسرية التقارير
إجراءات الرفض لا تمنح مقدم الطلب حق الاطلاع على الأسباب التفصيلية ولا تسمح له بتقديم دفاع أو مستندات مضادة. فالقرارات تستند عادة إلى تقارير أمنية سرية. ورغم إمكانية التظلم أمام القضاء الإداري، إلا أن عدم معرفة سبب الرفض يشكل عقبة أمام إقامة دعوى ناجحة.
التأثير على أفراد الأسرة
في حالات الزواج المختلط أو وجود أطفال، يؤثر رفض أحد الوالدين على مستقبل الأسرة بأكملها. فالزوجة الأجنبية قد تحرم من الجنسية رغم زواجها من مصري لفترة طويلة، ويظل الأبناء يعانون من وضع قانونى هش، ما يضطر الأسرة للعيش في حالة من عدم الاستقرار.
سبل التظلم والحل
وفقًا للقانون، يمكن لمقدم الطلب الذى رُفض طلبه الطعن على القرار أمام محكمة القضاء الإدارى. القضاء الإدارى ينظر فى مدى مشروعية القرار ومدى استناده إلى أسباب صحيحة. غير أن المحكمة غالبًا ما تحترم التقديرات الأمنية ما لم يثبت تعسف الإدارة. لذا ينصح باتباع الآتى:
- جمع المستندات والتقارير الإيجابية: على مقدم الطلب إرفاق ما يثبت حسن السير والسلوك، مثل سجل جنائى نظيف، وشهادات من جهات العمل والدراسة، وأى أوراق تثبت اندماجه فى المجتمع وعدم مشاركته فى أنشطة سياسية متطرفة.
- استشارة محامٍ متخصص قبل التقدم، لدراسة الموقف القانوني وإمكانية وجود أسباب تمنع التجنيس.
- التواصل مع الإدارة المختصة: يمكن الاستفسار بصورة غير رسمية عن أسباب التحفظ الأمني، وفى بعض الحالات قد يستطيع المحامى التواصل مع جهات الأمن لمعرفة ما يمكن معالجته أو توضيحه.
- تقديم تظلم إدارى إلى وزير الداخلية أو الجهة المختصة قبل اللجوء إلى المحكمة، طلبًا لإعادة النظر.
خاتمة
إن رفض طلبات الجنسية المصرية لدواعٍ أمنية يعكس سعى الدولة لحماية أمنها القومي واستقرارها، لكنه يثير في الوقت نفسه تساؤلات عن مدى وضوح المعايير وضمانات العدالة. يؤكد القانون أن منح الجنسية امتياز تُقدّره الدولة، وليس حقًا مطلقًا، ويجيز رفض الطلبات إذا توافرت أسباب أمنية. ومع ذلك، يجب تحسين شفافية الإجراءات وتمكين المتقدمين من الدفاع عن أنفسهم. ننصح كمكتب الدكتور مصطفى الروبي من يرغب في الحصول على الجنسية المصرية بتحضير ملف كامل يبرز سلامة سجلّه والتأكد من عدم وجود ارتباطات قد تُعد خطرًا على الأمن، كما نوصى بالتواصل مع محامٍ متخصص لدراسة الموقف وتقديم التظلمات إذا لزم الأمر.
كتابة واعداد دكتور مصطفى الروبي
