مقدمة
تسعى مصر إلى جذب الاستثمارات الأجنبية ودعم اقتصادها عن طريق برنامج منح الجنسية للأجانب مقابل الاستثمار. شهد البرنامج منذ إقراره تعديلات متعددة لجعل الحصول على الجنسية أكثر جاذبية ومرونة، خصوصًا في عامي ٢٠٢٣ و٢٠٢٤. يستعرض هذا المقال آخر التحديثات حتى عام ٢٠٢٥، ويشرح شروط البرنامج ومراحله، ويعرض أهم التحديات العملية التى يواجهها المستثمرون، مع أمثلة واقعية ونصائح.
الإطار القانونى والتنظيمى
تأسس برنامج منح الجنسية للأجانب بالاستثمار بموجب قرارات مجلس الوزراء، ولا سيما القرار رقم ٨٧٦ لسنة ٢٠٢٣. يحدد هذا القرار أربع طرق أساسية للحصول على الجنسية من خلال الاستثمار:
- المساهمة غير المستردة (تبرع): دفع مبلغ ٢٥٠ ألف دولار أمريكى لصالح الخزانة العامة. يعد التبرع غير قابل للاسترداد.
- شراء عقار: شراء عقار أو أكثر داخل مصر بقيمة لا تقل عن ٣٠٠ ألف دولار، مع السماح بدفع القيمة على أقساط خلال سنة واحدة. يجب أن يكون العقار مسجلاً رسميًا وأن يحتفظ به المستثمر لمدة خمس سنوات.
- الاستثمار فى مشروع: إنشاء أو المشاركة فى مشروع استثمارى بقيمة ٣٥٠ ألف دولار على الأقل، بالإضافة إلى تقديم تبرع بقيمة ١٠٠ ألف دولار للخزانة.
- إيداع مصرفى: إيداع مبلغ ٥٠٠ ألف دولار كوديعة مصرفية لمدة ثلاث سنوات دون عائد، ترد بعدها بالجنيه المصرى حسب سعر الصرف.
فى جميع الحالات، يدفع المتقدم رسم طلب قدره ١٠ آلاف دولار غير مسترد، وتقوم «وحدة فحص طلبات الجنسية» التابعة لرئاسة مجلس الوزراء بمراجعة الطلبات.
تعديلات ٢٠٢٤ – السماح بالتملك المشترك والشراء من القطاع الخاص
فى أكتوبر ٢٠٢٤ صدرت تعديلات مهمة على البرنامج لتيسير جذب المستثمرين:
- السماح بالتملك المشترك فى عقار واحد: أصبح بإمكان أكثر من متقدم المشاركة فى شراء عقار واحد، بشرط ألا تقل حصة كل منهم عن ٣٠٠ ألف دولار. يتيح ذلك للمستثمرين تقسيم التكلفة فيما بينهم مع استفادة كل منهم من طلب منفصل.
- فتح سوق العقارات الخاص: أزال البرنامج شرط شراء العقار من الحكومة فقط، وأتاح الشراء من شركات التطوير العقاري الخاصة في جميع أنحاء الجمهورية (باستثناء شبه جزيرة سيناء). بذلك أصبح بإمكان المستثمر اختيار من بين مشاريع حكومية أو خاصة وفقًا لرغبته.
- حساب بنكى شخصى: اشترطت التعديلات على المشترين من الشركات الخاصة فتح حساب بنكى شخصى داخل مصر لتحويل قيمة الاستثمار بالدولار، فى حين يُسمح للمشترين من جهة حكومية بالتحويل مباشرة إلى حساب الوحدة. الهدف من ذلك هو تعزيز الشفافية ومتابعة تدفق النقد الأجنبى.
- خفض الحد الأدنى للعقار: أكد القرار تعديل ٢٠٢٣ تخفيض الحد الأدنى للاستثمار العقارى من ٥٠٠ ألف دولار إلى ٣٠٠ ألف دولار، وقد سُمِح بسداد القيمة على أقساط لمدة سنة.
خطوات التقديم والمدة الزمنية
يعرض الموقع الرسمى لوحدة الجنسية خطوات واضحة للتقديم:
- تقديم الطلب وسداد رسم ١٠ آلاف دولار: يقوم المستثمر بإنشاء حساب على المنصة الإلكترونية للبرنامج وإرفاق نسخة من جواز السفر، وسداد الرسم غير المسترد.
- الفحص المبدئى خلال ٣ أشهر: تجرى الوحدة فحصًا أوليًا للتحقق من المستندات والسلامة الأمنية. إذا تمت الموافقة المبدئية، يحصل المستثمر على إقامة لمدة ٦ أشهر لاستكمال متطلبات الاستثمار.
- إتمام الاستثمار خلال ٦ أشهر: يجب على المتقدم خلال هذه الفترة استكمال إجراءات شراء العقار أو الاستثمار فى المشروع أو الإيداع المصرفى، وتقديم ما يثبت ذلك، مع الاحتفاظ بإيصالات التحويل بالدولار.
- الفحص النهائى وإصدار القرار خلال ٣ أشهر: بعد تقديم إثبات الاستثمار، تجرى الوحدة فحصًا نهائيًا قبل رفع الطلب إلى رئيس الوزراء لإصدار القرار. وفق الموقع الرسمى، تستغرق العملية الكاملة من ٦ إلى ١٢ شهرًا.
مزايا البرنامج للمستثمر وأسرته
يمنح البرنامج للمستثمر جنسية مصرية كاملة تشمل الزوجة والأبناء القُصَّر. يتمتع المواطن الجديد بحق الإقامة والعمل والتملك، وحق تأسيس المشروعات، وإمكانية دخول العديد من الدول بدون تأشيرة أو بتأشيرة عند الوصول. كما يتيح البرنامج الاستفادة من برامج التعليم الحكومى والرعاية الصحية بأسعار مناسبة.
التحديات والمشكلات العملية
1. طول الفترة وإجراءات التحقق
رغم الإعلان عن مدة تتراوح بين ٦ و١٢ شهرًا، قد تطول الإجراءات بسبب التحريات الأمنية وطلب وثائق إضافية. عدم وضوح التواصل أحيانًا يسبب قلقًا للمستثمرين الذين ينتظرون قرارًا رسميًا.
2. شرط الاحتفاظ بالعقار
يلزم البرنامج المستثمر بالاحتفاظ بالعقار لمدة خمس سنوات، وإلا يلتزم بدفع تبرع غير مسترد (تُقدره بعض المصادر بـ٢٥٠ ألف دولار) للاحتفاظ بالجنسية. قد يقيّد هذا الشرط حرية المستثمر فى التصرف بالعقار لأسباب مالية أو سوقية، ما يجعله عامل مخاطرة.
3. فتح حساب بنكى وتحويل العملة
يفرض البرنامج على المشترين من القطاع الخاص فتح حساب بنكى شخصى فى مصر، وتحويل قيمة الاستثمار من الخارج بالدولار. قد يواجه المستثمرون من دول خاضعة لقيود مصرفية صعوبات فى تحويل المبالغ، كما أن اختلاف أسعار الصرف والرسوم البنكية يمكن أن يزيد التكلفة الفعلية.
4. عدم وجود آلية واضحة لاسترداد الاستثمارات
فى خيار الإيداع البنكى، تُرد الوديعة بالجنيه المصرى بعد ثلاث سنوات بسعر صرف البنك المركزى، دون فوائد. هذا يعرض المستثمر لمخاطر تقلب سعر الصرف. أما فى حالة الاستثمار العقارى أو المشروع، فلا توجد حتى الآن تفاصيل واضحة حول إمكانية بيع الاستثمار أو الخروج منه قبل خمس سنوات دون خسائر كبيرة.
5. المنافسة الإقليمية
تتنافس برامج منح الجنسية عن طريق الاستثمار فى المنطقة (مثل تركيا ومالطا ودومينيكا) لتقديم شروط أقل تكلفة أو مزايا أكثر. ومن ثم يتعين على البرنامج المصرى الاستمرار فى التطوير لتحسين جاذبيته.
أمثلة واقعية
تشير تقارير عام ٢٠٢5 إلى أن البرنامج استقبل أكثر من ألف طلب منذ تخفيض الحد الأدنى إلى ٣٠٠ ألف دولار وأن بعض المستثمرين توجهوا لشراء عقارات فى العاصمة الإدارية الجديدة والساحل الشمالى. كما أبرزت بعض المقالات أن التعديل الذى يسمح بالشراء من القطاع الخاص زاد من إقبال المستثمرين على مشاريع مطورين معروفين مثل “طلعت مصطفى” و”سوديك”. ومع ذلك، كانت هناك حالات تأخر بسبب التحريات الأمنية أو مشاكل فى توثيق العقار، ما دفع المستثمرين للاستعانة بمحامين وشركات متخصصة لحل هذه المشاكل.
توصيات عملية
- اختيار مسار مناسب: على المستثمر مقارنة الخيارات الأربع وفقًا لميزانيته وخططه المستقبلية؛ خيار التبرع أقل تعقيدًا لكنه غير مسترد، بينما خيار العقار يستفيد من الاستثمار العقارى وإن كان يقيّده بشرط الحيازة خمس سنوات.
- التعاقد مع مطور موثوق: فى حالة اختيار المسار العقارى، يجب التحقق من سلامة الملكية وتراخيص البناء، واستشارة محامٍ قبل توقيع العقود، خاصة مع السماح بالشراء من القطاع الخاص.
- الاستعداد للتحويلات: يجب فتح حساب بنكى فى مصر مبكرًا والاستعانة بمستشارين لإتمام التحويلات بالدولار لتجنب التأخير أو مخالفة التعليمات.
- متابعة الملف بدقة: التواصل مع وحدة الجنسية أو الوكيل القانونى لمتابعة الطلب، وتقديم أى مستندات إضافية فور طلبها، وتوثيق كل الخطوات.
- الحذر من التسويق غير الرسمى: ينبغى تجنب التعامل مع سماسرة أو شركات غير معتمدة قد تقدم وعودًا غير واقعية. يفضل الاعتماد على مصادر رسمية أو مكاتب محاماة معترف بها.
خاتمة
يعكس برنامج منح الجنسية المصرية بالاستثمار توجه الدولة لاستقطاب رؤوس الأموال وزيادة تدفق النقد الأجنبى. التعديلات الصادرة فى ٢٠٢٣ و٢٠٢٤ – خاصة تخفيض الحد الأدنى للعقار إلى ٣٠٠ ألف دولار، والسماح بالشراء من القطاع الخاص، وتسهيل التملك المشترك – جعلت البرنامج أكثر مرونة وتنافسية. ومع ذلك، يظل نجاح الاستثمار مرتبطًا بقدرة المستثمر على فهم الشروط القانونية والتعامل مع التحديات العملية. ننصح كمكتب الدكتور مصطفى الروبي المستثمرين الراغبين فى الحصول على الجنسية المصرية عبر هذا المسار بالاستعانة بخبراء قانونيين، واختيار استثمارات مدروسة، ومتابعة مستمرة للإجراءات لضمان الحصول على الجنسية بأمان وفعالية.
كتابة واعداد دكتور مصطفى الروبي
