Visit us: 170 El-Horreya El-Ibrahimia Road, Bab Sharq, Alexandria

divinext
Contact Us

مقدمة

تمتلك الجنسية أهمية محورية بالنسبة لأي إنسان؛ فهي الرابطة القانونية والسياسية التي تحدد علاقته بالدولة وتُنشئ حقوقًا وواجبات متبادلة. ينص القانون الدولي على أن لكل دولة حرية تنظيم جنسيتها، مما يؤدي إلى اختلاف كبير بين الدول في شروط منح الجنسية؛ وإلى ظهور حالات متعددة للجنسية المزدوجة . بالنسبة للأجنبي المقيم في مصر، يُعد اكتساب الجنسية المصرية خطوة ذات أبعاد قانونية ومجتمعية واقتصادية عميقة: فهي تمنحه حقوق المواطن وتحل كثيرًا من المعوقات المرتبطة بإقامته كأجنبي. تستعرض هذه المقالة أهمية الحصول على الجنسية المصرية للأجانب المقيمين، وفقًا لقانون الجنسية رقم 26 لسنة 1975 وتعديلاته، مع ذكر أبرز الإشكالات العملية التي تواجه طالب التجنس وأهم الحلول لتجاوزها، مع الالتزام بالصياغة القانونية المحكمة.

أولاً: الأساس القانوني لاكتساب الجنسية المصرية

1. حالات اكتساب الجنسية للأجانب

حدَّد قانون الجنسية رقم 26 لسنة 1975 وتعديلاته طرق اكتساب الأجنبي للجنسية المصرية. وتشمل الحالات الرئيسية:

  1. التجنس بالإقامة: يجوز للأجنبي التقدم بطلب التجنُّس إذا أقام في مصر إقامة قانونية لمدة عشر سنوات متتالية وشرط أن يكون متمتعاً بحسن السير والسلوك وخالياً من الأمراض العقلية وأن يُلم باللغة العربية ينظر وزير الداخلية في الطلب بعد التحقق من توافر الشروط ويصدر قرارًا بالموافقة أو الرفض.
  2. التجنس بالزواج: للزوجة الأجنبية المتزوجة من مصري أن تطلب اكتساب الجنسية إذا استمر الزواج قائماً لمدة سنتين مع تقديم التصريح اللازم من الزوج (وعكس ذلك للرجل المتزوج من مصرية وفقًا لأحدث تعديل). وقد أكدت المحكمة العليا أن الزوجة لا تفقد الجنسية بعد انتهاء الزواج إلا إذا عادت إلى جنسيتها الأصلية.
  3. التجنس بالاستثمار: أدخل القرار الوزاري رقم 876 لسنة 2023 نظامًا يمنح الجنسية مقابل الاستثمار، ويتيح للأجنبي شراء عقار أو تأسيس مشروع أو إيداع وديعة بالدولار وفق حد أدنى من المبالغ؛ ويُشترط الاحتفاظ بالعقار أو المشروع لمدة خمس سنوات. يتضمن البرنامج إجراءات دقيقة لضمان سلامة مصادر الأموال والتحقق الأمني.
  4. استعادة الجنسية: يجوز لمن كان مصريًا ثم فقد جنسيته الحصول على الجنسية مجددًا وفق ضوابط المادة 13 من القانون، خاصة إذا عاد للاستقرار في مصر.

2. الاحتفاظ بالجنسية المصرية عند اكتساب جنسية أخرى

بينما يسمح القانون المصري بحالات ازدواج الجنسية، فإنه يُوجب على المصري الحصول على إذن من وزير الداخلية قبل التجنس بجنسية أجنبية؛ وإلا فهو يظل مصريًا أمام القانون المصري رغم حصوله على الجنسية الأخرى. إذا منح الإذن، تُسقط عنه الجنسية المصرية؛ ومع ذلك، يجوز أن ينص الإذن على احتفاظه وزوجته وأولاده القُصَّر بالجنسية المصرية بشرط إعلان رغبتهم في الاحتفاظ بها خلال سنة واحدة. يبرز هذا النص أهمية اتباع الإجراءات القانونية لضمان الحفاظ على الجنسية المصرية أو اكتسابها بشكل صحيح.

ثانياً: مزايا اكتساب الجنسية المصرية للأجنبي المقيم

1. المساواة القانونية والحقوق السياسية

  • التمتع بحقوق المواطن: يمنح الحصول على الجنسية الأجنبية المقيم مجموعة حقوق لا يتمتع بها بصفته مقيمًا، من بينها الحق في المشاركة السياسية والترشح للانتخابات المحلية بعد استيفاء المدد المنصوص عليها، وحق التصويت في الاستفتاءات والانتخابات العامة. ينص الدستور المصري على أن رئيس الجمهورية يجب أن يكون مصريًا خالصًا؛ لكن يمكن للشخص المجنس بعد مرور سنوات معينة تولي مناصب نيابية، وإن كان القانون يحظر ترشح المجنسين للبرلمان قبل مرور مدة محددة.
  • الاستفادة من نظام الرعاية الاجتماعية: يتيح اكتساب الجنسية إمكانية الاندماج في نظام الضمان الاجتماعي الحكومي، بما يشمل التأمين الصحي الحكومي والمعاشات، وهي امتيازات لا يحصل عليها الأجنبي المقيم إلا ضمن ترتيبات محدودة.
  • الحق في العمل بالقطاع العام: يمكن للمجنس بعد مرور المدد القانونية التقدم لشغل الوظائف الحكومية والعامة، باستثناء المناصب السيادية والعسكرية التي تتطلب جنسية مصرية أصيلة؛ كما ذكر تقرير قضائي أن الدول تقيد تولي مزدوجي الجنسية وظائف تتعلق بالأمن والقضاء والدبلوماسية حرصًا على الولاء الواحد.

2. الأمن والاستقرار والإقامة الدائمة

  • الاستقرار القانوني: كحامل للجنسية المصرية، لا يكون الشخص ملزمًا بتجديد إقامته سنويًا أو معرضًا لاحتمال الترحيل؛ بل يصبح مواطنًا بحق، ويضمن لنفسه ولأسرته إقامة دائمة.
  • الحماية الدبلوماسية: يمنح اكتساب الجنسية حماية كاملة من الدولة المصرية في الخارج، إذ يحق له الاستفادة من خدمات السفارات والقنصليات دون تقييد. ومتى كان الشخص مزدوج الجنسية، فلا تتدخل الدولة الثانية في شؤونه داخل مصر.

3. الحقوق الاقتصادية وحرية الاستثمار

  • الملكية العقارية: تُقيِّد القوانين المصرية ملكية الأجانب للعقارات في بعض المناطق (مثل سيناء والمناطق الحدودية). ومع ذلك، يحق للمواطن المصري شراء العقارات بجميع أنواعها في أي مكان في مصر دون حاجة إلى موافقات خاصة. وبالتالي يُعد حصول الأجنبي على الجنسية وسيلة لتوسيع فرص الاستثمار العقاري له ولأسرته.
  • إقامة المشروعات والمزاولة الحرة للمهن: تفرض بعض القوانين شروطًا إضافية على الأجانب الراغبين في تأسيس شركات أو مزاولة بعض المهن كالصحافة أو الصيدلة. يحصل المواطن المصري على حق إنشاء الشركات بحرية، وحق المشاركة في المزايدات والمناقصات الحكومية، ما يوسِّع آفاقه الاقتصادية.
  • الوصول للتمويل المحلي: يسهل على المواطن المصري الحصول على قروض من البنوك المحلية والتمتع بمزايا مالية متاحة للمصريين، مثل القروض المدعومة للمساكن أو للمشاريع الصغيرة، وهي فرص قد تكون أكثر صعوبة أو غير متاحة للأجنبي المقيم.

4. الحقوق الشخصية والعائلية

  • حق نقل الجنسية: بعد اكتساب الجنسية، يمكن للشخص أن ينقل الجنسية المصرية إلى أولاده القُصَّر، مما يتيح لهم حقوق المواطن منذ الطفولة، ويزيل عنهم أي تقييد على التعليم أو العمل في المستقبل.
  • حق الأسرة في الإقامة: يُمكن للمواطن المصري الجديد أن يكفل إقامة أسرته (الزوج أو الزوجة والأولاد)، ويصدر لهم بطاقات هوية مصرية وجوازات سفر، ما يسهل تنقلهم ويمنحهم استقرارًا.

5. التنقل والسفر

  • امتيازات جواز السفر المصري: الحصول على جواز سفر مصري يسهِّل دخول بعض الدول العربية والأفريقية دون تأشيرة أو بتسهيلات تأشيرة، ويتيح السفر إلى العديد من الدول الأخرى بسهولة نسبية مقارنة بجوازات بعض الجنسيات الأخرى. كما يحظى المواطن المصري بحق العودة إلى مصر في أي وقت دون قيود.

6. الاندماج الثقافي والاجتماعي

  • الانتماء والتجذّر: تتخطى أهمية الجنسية مجرد الجانب القانوني لتلامس مشاعر الانتماء والانخراط الاجتماعي. فالمواطن يُنظر إليه باعتباره جزءًا من نسيج المجتمع، مما يعزز إمكانية مشاركته في الحياة الثقافية والعامة.
  • إزالة الإحساس بالهشاشة: عندما يكون المقيم أجنبيًا، قد يشعر بأن وضعه القانوني قابل للتغيير في أي وقت. اكتساب الجنسية يمنحه إحساسًا بالاستقرار والمساواة، ويعزِّز ثقة الآخرين به داخل المجتمع المصري.

ثالثاً: أبرز الإشكالات العملية عند اكتساب الجنسية المصرية للأجانب

على الرغم من المزايا العديدة، يواجه الأجانب الراغبون في اكتساب الجنسية المصرية بعض التحديات العملية، منها:

  1. تعقيد الإجراءات وطولها: يجب على المتقدِّم للحصول على الجنسية بالإقامة تقديم ملفات كاملة تشمل شهادات الميلاد، سجلات الإقامة، إثبات حسن السيرة، القدرة المالية، شهادات الزواج أو الطلاق، وغيرها. يتطلب الأمر فحصًا أمنيًا وإداريًا يطول في أحيان كثيرة، خاصةً مع حاجة الجهات المعنية للتحقق من صحة الوثائق الأجنبية وترجمتها.
  2. عدم وضوح الشروط العملية: رغم أن القانون يضع شروطًا محددة، فإن السلطة التقديرية لوزارة الداخلية قد تؤدي إلى رفض بعض الطلبات دون توضيح كافٍ للأسباب؛ ويشكو بعض المقيمين من عدم وجود معايير معلنة لمقدار الدخل المطلوب أو مدى اشتراط امتلاك العقار أو وجود مشروع مستمر.
  3. فترات الحظر على بعض الحقوق: ينص القانون على أن المجنَّس لا يحق له الترشح لعضوية مجلس النواب أو المجالس المحلية أو شغل الوظائف الحساسة إلا بعد مرور فترة (عادة عشر سنوات). قد يحد ذلك من الفوائد السياسية للجنسية خلال السنوات الأولى. كما يُحظر على المجنس الانضمام للمؤسسات العسكرية أو الدبلوماسية، بحسب ما يفرضه القانون من قيود على مزدوجي الجنسية.
  4. التزامات الخدمة العسكرية: قد يخضع الرجل المتجنِّس لأداء الخدمة العسكرية إذا كان في سن التجنيد في وقت التجنيس، فيما يعفى الأجنبي الذي حصل على إذن بالتجنس بجنسية أخرى من التجنيد إذا احتفظ بالجنسية المصرية. يخلق هذا التضارب تساؤلات حول موقف المتجنِّس المقيم قبل التجنيس، وما إذا كان سيلزم بأداء الخدمة بعد أن يصبح مصريًا.
  5. ازدواج الضرائب والضمانات الاجتماعية: استمرار احتفاظ الشخص بالجنسية الأصلية قد يفرض عليه التزامات ضريبية مزدوجة، حيث تفرض كل دولة الضرائب على مواطنيها. يستدعي هذا التنسيق مع سلطات بلده الأصلي لمعرفة إمكانية توقيع اتفاقية لتجنب الازدواج الضريبي، وإلا قد يجد نفسه مضطرًا لدفع الضرائب في البلدين.
  6. خطر فقد الجنسية الأصلية: بعض الدول لا تعترف بازدواج الجنسية، وقد تُسقِط جنسية مواطنها إذا اكتسب جنسية أخرى. لذا يجب على طالب التجنس فحص قوانين بلده الأصلي قبل التقدم للحصول على الجنسية المصرية، لئلا يعرِّض نفسه لفقدان جنسيته الأولى دون علم.
  7. اختلاف المعاملة في السوق المالية أو العقارية: قد يُعامَل المقيم أثناء إجراءات التجنيس على أنه أجنبي فيما يخص حقوق التملك أو التمويل، وقد يواجه صعوبة في شراء عقارات معينة (مثل العقارات في سيناء والمناطق السياحية) إلى حين حصوله على الجنسية رسميًا.

رابعاً: طرق حل الإشكالات العملية

بإمكان الأجنبي المقيم التغلب على التحديات السابقة وتحقيق الاستفادة المثلى من الجنسية المصرية باتباع مجموعة من الإجراءات:

  1. تحضير ملف قانوني متكامل: ينبغي جمع كافة الوثائق المطلوبة قبل تقديم الطلب، بما في ذلك عقود الإقامة، شهادات الميلاد والزواج، ما يثبت المصادر المالية، وشهادات حسن السيرة والسلوك. يجب توثيق وترجمة الوثائق الأجنبية ترجمة معتمدة. المتقدم الذي يفي الشروط الموضوعية (الإقامة، اللغة، السلوك، الاستثمار) يكون أكثر حظًا في الموافقة.
  2. الاستعانة بمحامٍ متخصص: يُعد التعاون مع مكتب قانوني من ذوي الخبرة خطوة مهمة، إذ يمكن للمحامي متابعة الإجراءات بشكل دقيق وتصحيح أية أخطاء أو نقص في المستندات، ورفع التظلمات في حال الرفض. ويمكنه كذلك توضيح ما إذا كان الإذن بالتجنس سيشمل الاحتفاظ بالجنسية الأصلية أم لا.
  3. اختيار مسار التجنس المناسب: تختلف شروط التجنس حسب المسار (الإقامة الطويلة، الزواج، الاستثمار)، لذلك ينبغي للمقيم أن يقارن بين المسارات وفق ظروفه، مثل مدة الإقامة وقدرته المالية وإمكانية الزواج من مواطن/مواطنة مصرية.
  4. متابعة المدد والمهل القانونية: بعض الحقوق السياسية مثل الترشح للمجالس النيابية لا تكتسب إلا بعد مرور فترة معينة؛ لذا يجب على المتجنِّس إدراك حدود هذه الحقوق خلال السنوات الأولى.
  5. التخطيط للالتزامات المالية والضريبية: إذا كان المتجنِّس سيحتفظ بجنسيته الأصلية، فعليه دراسة قوانين البلد الآخر لتجنب دفع الضرائب مرتين. يمكن في بعض الحالات إبرام اتفاقات أو استشارة خبير ضرائب حول إمكانية الاستفادة من اتفاقيات منع الازدواج الضريبي إن وجدت بين مصر ودولته.
  6. فهم موقف الجنسية الأصلية: قبل التقدم بطلب التجنس المصري، يجب الاطلاع على قانون الجنسية في البلد الأصلي لتحديد ما إذا كان سيسمح بازدواج الجنسية أو سيطالب بالتنازل عن الجنسية الأصلية.
  7. التدرج في الاندماج: يُستحسن أن يعمل المتقدم على بناء روابط اجتماعية وثقافية خلال إقامته، وإظهار التزامه بالقيم والقوانين المصرية، مما يعزز فرص قبول طلبه وييسر اندماجه اللاحق.

خاتمة

إن الحصول على الجنسية المصرية للأجنبي المقيم يحقق له نقلة نوعية في مسار حياته؛ فهو يوحد مركزه القانوني ويمنحه حقوقًا وامتيازات اجتماعية واقتصادية وسياسية لا تتوفر لغير المواطنين. غير أن الطريق إلى التجنس ليس معبَّدًا دائمًا؛ إذ يتطلب استكمال شروط قانونية وإجرائية دقيقة، وفهمًا عميقًا لأثر الجنسية الثانية على وضعه الشخصي. ومع ذلك، فإن المزايا المجتمعية والاقتصادية التي يكتسبها المجنس – من الاستقرار في الإقامة، وحرية الاستثمار، وحماية الحقوق الشخصية والأسرية – تجعل السعي نحو الجنسية هدفًا يستحق الجهد.

ننصح، كمكتب الدكتور مصطفى الروبي للمحاماة والاستشارات القانونية، الأجانب المقيمين الراغبين في اكتساب الجنسية المصرية بضرورة استشارة متخصصين قانونيين قبل التقدم، لمساعدتهم في اختيار المسار الأنسب، وتجهيز ملف متكامل وفقًا للقانون، والتعرف على الآثار المترتبة على الاحتفاظ بالجنسية الأصلية أو التنازل عنها، وضمان حماية حقوقهم الكاملة في كل مرحلة من مراحل التجنيس.

كتابة واعداد دكتور مصطفى الروبي

مقالات أخرى حول اكتساب الجنسية