Visit us: 170 El-Horreya El-Ibrahimia Road, Bab Sharq, Alexandria

divinext
Contact Us

مقدمة

مع تزايد ظاهرة ازدواج الجنسية، يكثر التساؤل حول مدى خضوع المواطن المصري الذى يحمل جنسية أخرى لقوانين العقوبات المصرية إذا ارتكب جريمة خارج البلاد. هل يحق للدولة ملاحقته جنائيًا عند عودته؟ وكيف تتعامل القوانين مع ازدواج الولاء؟ تهدف هذه المقالة إلى استعراض الإطار القانوني للمساءلة الجنائية للمصريين – بمن فيهم مزدوجو الجنسية – عن الجرائم المرتكبة في الخارج، وطرح أهم المشكلات العملية والحلول المقترحة.

الإطار القانوني: الاختصاص الخارجي للقانون المصري

ينص قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937 على مبدأ الاختصاص الخارجي في حالتين: الأولى إذا كانت الجريمة تمس أمن الدولة أو تتعلق بتزوير عملتها، والثانية تخص المصريين الذين يرتكبون جرائم في الخارج. تنص المادة 3 صراحة على أن «كل مصري ارتكب وهو في خارج القطر فعلاً يعتبر جناية أو جنحة في هذا القانون يُعاقب بمقتضى أحكامه إذا عاد إلى القطر وكان الفعل معاقبًا عليه بمقتضى قانون البلد الذي ارتكبه فيه». ويُفهم من النص أن ثلاثة شروط يجب توافرها لمساءلة المصري جنائيًا عن جريمة ارتكبها خارج مصر:

  1. أن يكون الفعل جناية أو جنحة بمقتضى القانون المصرى.
  2. أن يكون الفعل معاقبًا عليه بمقتضى قانون الدولة التي ارتكب فيها الجريمة.
  3. أن يعود الجانى إلى مصر؛ إذ لا تُقام الدعوى عليه إلا بعد عودته.

كما تنص المادة 2 من القانون على اختصاص القضاء المصري بالجرائم التي تقع خارج القطر إذا كانت موجهة إلى أمن الحكومة أو تتعلق بتزوير العملة أو الجرائم المنصوص عليها في البابين الأول والثاني من الكتاب الثاني.

بالإضافة إلى قانون العقوبات، يحدد قانون الجنسية رقم 26 لسنة 1975 حالات سحب أو إسقاط الجنسية عند ارتكاب أفعال تمس الأمن القومي، مثل انضمام الشخص إلى جيش دولة معادية أو إدانته في جريمة تتعلق بالأمن. ومع ذلك، فإن فقدان الجنسية لا يلغى حق الدولة في ملاحقة مواطنها عن الجرائم المرتكبة في الخارج طالما يحمل الجنسية المصرية.

التطبيق العملي للمساءلة

  1. إقامة الدعوى بعد العودة: تُقيد النيابة العامة الدعوى الجنائية بحق المصرى العائد فور علمها بوجود حكم أو تحقيق ضده فى الخارج، بشرط أن يكون الفعل مجرمًا فى كلا البلدين. إذا لم تُقِم الدولة الأجنبية الدعوى أو تنازلت، يمكن للنيابة المصرية تحريك الدعوى.
  2. العقوبة في مصر رغم تنفيذ عقوبة في الخارج: نصت المادة 4 من قانون العقوبات على أنه لا يجوز إقامة الدعوى على من تثبت براءته أو إدانته في الخارج واستيفاء عقوبته. وبذلك، إذا حوكم الجاني في الدولة الأجنبية ونفذ العقوبة، لا تجوز محاكمته ثانية في مصر.
  3. ازدواج الجنسية والولاء القانونى: مزدوج الجنسية يظل مصريًا أمام القضاء المصرى، حتى لو كان يحمل جنسية أخرى. فالمادة 10 من قانون الجنسية لا تجيز اكتساب جنسية أجنبية دون إذن وزير الداخلية، وإلا بقي الشخص مصريًا فى جميع الأحوال. ومن ثم لا يمكن للمزدوج أن يدفع بأنه يتبع جنسية أخرى لتفادى المحاكمة فى مصر.

مشكلات عملية

  1. صعوبة جمع الأدلة: غالبًا ما تقع الجريمة خارج مصر، مما يجعل من الصعب على النيابة جمع الأدلة أو إحضار الشهود. وقد ترفض الدولة الأجنبية التعاون إذا كانت الجريمة بسيطة أو غير ذات أهمية.
  2. تضارب القوانين والعقوبات: تختلف توصيفات الجرائم والعقوبات بين الدول، وقد تعتبر دولة ما الفعل جنحة بينما تعتبره أخرى جناية. هذا التعارض يجعل تقدير العقوبة العادلة فى مصر أمرًا معقدًا.
  3. الحماية القنصلية المحدودة: مبدأ الجنسية المزدوجة يقيد الحق فى الحماية الدبلوماسية؛ إذ تقرر اتفاقية لاهاى لعام 1930 أن الدولة لا تمارس حمايتها لصالح مواطن تجاه دولة يحمل جنسيتها أيضًا، مما يجعل مزدوج الجنسية عرضة لمحاكمة الدولة الأخرى دون تدخل.

حلول وتوصيات

  1. تعزيز التعاون القضائى الدولى: تحتاج مصر إلى إبرام اتفاقيات تسليم المجرمين والمساعدة القضائية المتبادلة مع الدول التى يسافر إليها مواطنوها، لتسهيل تبادل الأدلة وتسليم المطلوبين.
  2. نشر التوعية القانونية: على المواطنين مزدوجى الجنسية أن يدركوا أنهم خاضعون للقانون المصرى حتى خارج البلاد، وأن أفعالهم قد تعرضهم للمساءلة عند عودتهم. يمكن لوزارة الهجرة والجاليات المصرية فى الخارج تنظيم حملات توعية بهذا الشأن.
  3. إعادة النظر فى شرط الازدواجية: قد يحتاج المشرع إلى تنظيم ازدواج الجنسية بشكل أدق، خصوصًا فيما يخص تولى المناصب الحساسة، لضمان عدم تعارض الولاء القانونى وتنفيذ الالتزامات الجنائية.

خاتمة

يبقى المصري مزدوج الجنسية خاضعًا لقانون العقوبات المصري إذا ارتكب جريمة في الخارج وعاد إلى بلاده، شريطة أن يكون الفعل مجرمًا في كلا البلدين. ورغم التحديات العملية في جمع الأدلة وتنفيذ العقوبات، يظل هذا المبدأ ضروريًا لحفظ النظام العام وردع الجريمة. ننصح – كمكتب الدكتور مصطفى الروبي – مزدوجي الجنسية بالالتزام بالقوانين أينما كانوا، وباستشارة محامٍ قبل الدخول في معاملات قد تؤدى إلى مساءلة جنائية دولية، كما ندعو السلطات المصرية إلى تطوير آليات التعاون القضائي لضمان تحقيق العدالة.

كتابة واعداد دكتور مصطفى الروبي

مقالات أخرى حول اكتساب الجنسية