تُعتبر الجنسية المصرية رابطة قانونية وسياسية عميقة تربط المواطن بالدولة، فهي ليست مجرد صفة شكلية وإنما إطار ينشئ حقوقاً ويفرض واجبات متبادلة، ويحدد علاقة الفرد بالدولة من حيث الولاء والانتماء. وقد نظم المشرع المصري هذه الرابطة في قانون الجنسية رقم 26 لسنة 1975 الذي عُدّل أكثر من مرة لمواكبة التطورات، خصوصاً بعد إدخال برامج حديثة مثل برنامج الاستثمار العقاري الذي يتيح للأجانب الحصول على الجنسية المصرية وفق شروط دقيقة. هذا النوع من الجنسية يظل خاضعاً لرقابة مستمرة من الدولة، إذ يمكن سحبها إذا شابها تدليس أو إخلال بشروط الاستثمار، كما يمكن إسقاطها في حالات أشد خطورة تتعلق بأمن الدولة أو الولاء الوطني، بينما الفقد يُعد نتيجة قانونية مباشرة عند اكتساب جنسية أجنبية بطريقة مخالفة لضوابط القانون.
اكتساب الجنسية له صور متعددة، منها الميلاد من أب أو أم مصريين، الميلاد داخل مصر في حالات خاصة مثل عديمي الجنسية أو مجهولي الأبوين، التجنيس بعد إقامة معينة أو بقرار من رئيس الجمهورية، وكذلك الزواج من مصري أو مصرية وفقاً لضوابط محددة. أما الاستثمار العقاري فيُعد من الوسائل المستحدثة، ويقوم على شراء عقار لا تقل قيمته عن 300 ألف دولار محول من الخارج عبر البنك المركزي، مع الالتزام بعدم التصرف في العقار لمدة خمس سنوات، ويُسمح بالتقسيط خلال عامين مع فترة سماح سنة. كما يمكن الحصول على الجنسية بإنشاء مشروع استثماري بقيمة لا تقل عن 450 ألف دولار، أو بإيداع مبالغ مالية مباشرة في الخزانة العامة للدولة. هذه الآليات تهدف إلى جذب الاستثمار الأجنبي، لكنها في الوقت نفسه محكومة بضوابط صارمة لحماية الأمن القومي والاقتصاد الوطني.
حالات سحب الجنسية تتنوع ما بين التدليس وتقديم بيانات غير صحيحة، أو صدور حكم جنائي يتعلق بالشرف أو الأمن، أو الانتماء لجماعات تهدد مصالح الدولة. وفيما يتعلق بالإسقاط، فهو أكثر شدة واتساعاً، إذ قد يمتد ليشمل حتى من وُلد مصرياً إذا قام بأعمال تمس الأمن القومي مثل الخدمة في جيش دولة معادية أو الارتباط بجهات أجنبية ضد مصلحة الوطن. أما الفقد فيرتبط غالباً باكتساب جنسية أجنبية بغير إذن الدولة أو على نحو مخالف للقانون. هذه التفرقة بين السحب والإسقاط والفقد تبرز أن القانون يتعامل مع كل حالة على حدة وفقاً لخطورتها وأثرها.
الالتزامات الواقعة على المستثمر الأجنبي الذي يحصل على الجنسية عبر شراء عقار أو إنشاء مشروع واضحة ومحددة، من أبرزها الالتزام بفترة الخمس سنوات دون بيع العقار إلا في إطار بدائل مقبولة قانوناً، وضمان أن تكون جميع التحويلات المالية من خلال قنوات مصرفية مرخصة، والاحتفاظ بمستندات رسمية لإثبات مشروعية الأموال. في حال الإخلال بهذه الشروط تبدأ الجهات المختصة إجراءات فحص الملف وقد تنتهي إلى سحب الجنسية. وتوجد أمثلة عملية كثيرة، مثل قيام بعض المستثمرين ببيع الوحدة بعد عامين أو ثلاثة دون استيفاء شرط الإيداع البديل، أو مشاركة العقار في عقود ملكية غير محكمة، وهو ما يفتح الباب للتحقيق وقد يؤدي إلى فقدان الجنسية المكتسبة.
هذه الإجراءات ليست مجرد نصوص جامدة، وإنما تُطبق في الواقع العملي، حيث تجري الجهات الأمنية والإدارية فحصاً دورياً للملفات، وتفتح التحقيقات عند وجود شبهة تدليس أو مخالفة، ثم تصدر قرارات رسمية بسحب أو إسقاط الجنسية عند الاقتضاء. هذه القرارات تترتب عليها آثار مباشرة مثل سحب جواز السفر المصري وإلغاء القيد في السجل المدني، وقد يمتد الأثر إلى الزوجة والأبناء الذين حصلوا على الجنسية بالتبعية، حيث تتأثر مراكزهم القانونية بناءً على حالة من اكتسب الجنسية أولاً.
كثير من الأخطاء الشائعة يقع فيها المستثمرون بسبب ضعف الوعي أو الاعتماد على وسطاء غير متخصصين، مثل اللجوء إلى تحويلات مالية غير معتمدة أو استخدام عقود بيع غير موثقة، أو التسرع في التصرف بالعقار قبل انتهاء المدة القانونية، وهو ما يعرضهم لمخاطر حقيقية. لذلك يُنصح دائماً بتوثيق كافة المعاملات عبر القنوات الرسمية، وتسجيل العقود بشكل صحيح، والاستعانة بخبرات قانونية متخصصة لتجنب أي ثغرات قد تُستغل لاحقاً للطعن في صحة الجنسية.
ومع ذلك، فإن القانون لا يترك صاحب الشأن بلا وسيلة للدفاع عن نفسه، بل يتيح له حق التظلم الإداري خلال المواعيد المحددة، مع تقديم ما يثبت صحة موقفه أو التزامه بشروط البرنامج. وإذا لم يُقبل التظلم، يظل الباب مفتوحاً للطعن أمام القضاء الإداري الذي يملك سلطة وقف تنفيذ القرار إذا تبينت أسباب جدية، وضمان نظر الموضوع على نحو عادل. هذه الضمانات تعكس رغبة المشرع في الموازنة بين حماية المصلحة الوطنية من جهة، وصون حقوق الأفراد الذين التزموا بالقانون من جهة أخرى.
الجنسية المصرية المكتسبة عبر الاستثمار العقاري تمثل فرصة للأجانب للاندماج في المجتمع المصري والاستفادة من مزايا الانتماء للدولة، لكنها في الوقت نفسه ليست امتيازاً مطلقاً، بل هي رابطة مشروطة بالالتزام والصدق والوفاء بالقوانين. ومن ثم فإن أي إخلال بالضوابط أو إساءة استخدام للبرنامج لا يمر دون مراجعة، لأن استقرار الدولة ومصالحها يعلوان على أي اعتبارات أخرى.

كتابة واعداد الدكتور مصطفى الروبي
