في ظل التطور السريع للاقتصاد الرقمي، بات الاعتماد على حلول البرمجيات وخدمات السحابة (SaaS) ضرورة حتمية للشركات الكبرى والناشئة على حد سواء، مما يُبرز أهمية وجود عقود تقنية محكمة تضمن حمايتها لمصالح العملاء وتضع التزامات واضحة لمزودي الخدمة. الاختلاف الجوهري بين الترخيص التقليدي واستخدام SaaS يكمن في أن الترخيص التقليدي يمنح العميل حق استخدام نسخة محلية من البرنامج مع التزام محدود من المزود بالدعم والتحديث، أما SaaS فتعني وصول العميل إلى تطبيق يتم استضافته وإدارته بالكامل من قبل المزود عبر الإنترنت، مع مسؤولية كاملة للمزود عن التوافر والتحديثات والأمان، ما يجعل تحديد التزامات ومسؤوليات كل طرف أمراً حاسماً لتفادي النزاعات.
ملكية البيانات تُعتبر من أهم نقاط التركيز في هذه العقود، حيث يجب التأكيد التام على أن العميل هو المالك الحصري لجميع البيانات التي يتم إدخالها أو توليدها من خلال النظام، وأن المورد له الحق فقط في استخدامها بما يتيح تقديم الخدمة. لذلك من الضروري تضمين بنود واضحة في العقد تُحدد هذا الملكية وتحمي بيانات العميل عبر التزامات بتشفير البيانات، إجراء نسخ احتياطية منتظمة، وضمان استعادة الخدمة عند حدوث أعطال. بالإضافة إلى ذلك، يجب على المورد الالتزام بالقوانين المحلية كقانون حماية البيانات المصري رقم 151 لسنة 2020 الذي يفرض شروطاً صارمة على معالجة البيانات، بما في ذلك ضرورة الحصول على موافقات صريحة، توفير حقوق وصول وتعديل وحذف، والإبلاغ عن خروقات الأمان.
اتفاقيات مستوى الخدمة (SLA) تُعد قلب العملية التعاقدية لأنها تحدد بالتفصيل مستوى التوافر المتوقع (مثلاً 99.9%)، أزمنة الاستجابة، قنوات الدعم المتاحة، ساعات العمل، والمهام المتعلقة بالتحديثات والصيانة. يجب أن تحتوي هذه الاتفاقيات على معايير دقيقة لتقييم الأداء مثل زمن الاستجابة لإصلاح الأعطال وترتيب الأولويات، كما يتعين تضمين جزاءات واضحة في حال عدم الالتزام من المزود، مثل خصومات أو إتاحة فرصة إنهاء العقد في حال الإخفاق الجوهري. بالإضافة لذلك، تضمن بنود التدريب ونقل المعرفة حصول المستخدمين الرئيسيين على التأهيل اللازم لتحقيق أقصى استفادة من البرمجيات.
الوقاية من النزاعات تتطلب توثيقاً واضحاً لجميع الالتزامات مع ضمان وجود بنود لخطة خروج واضحة تُلزم المورد بتوفير كافة البيانات بصيغ قابلة للاستخدام خلال فترة زمنية محددة عند إنهاء الخدمة، مما يساعد العميل على الحفاظ على استمرارية أعماله دون انقطاع. من المهم أيضاً توزيع المسؤوليات بدقة بين جهات معالجة البيانات والمتحكم بها، بما يضمن وضوح آليات الاستجابة للطوارئ والمعالجة القانونية لأي مخالفات.
مقارنة بالمعايير الدولية، تميل العقود الأوروبية لتفصيل بنود حماية البيانات والحوكمة بشكل أكبر، في حين تعتمد دول الخليج على دمج بعض بنود GDPR ضمن خصوصيات محلية ملائمة. أما في مصر، فإن توحيد الحد الأدنى من معايير الخصوصية والامتثال يساعد أصحاب الأعمال على التوسع نحو الأسواق الأوروبية دون تعقيدات تعاقدية متعددة.
ننصح دائماً بتأكيد ملكية البيانات كاملة للعميل، صياغة اتفاقيات مستوى خدمة مفصلة مع تحديد واضح للجزاءات، وجود خطة خروج واضحة لاسترجاع البيانات، الالتزام الصارم بمعايير الأمان وحماية البيانات، وإدماج التزامات الامتثال للتشريعات الوطنية والدولية وفقاً للأسواق المستهدفة. كذلك تُعتبر جلسات التدريب والدعم المستمر من الركائز المهمة لضمان نجاح تطبيق العقود التقنية وتحقيق أقصى استفادة للعملاء.
في النهاية، العقد التقني هو أكثر من مجرد ورقة؛ هو أداة حماية ضرورية تضمن الاستقرار القانوني والتشغيلي للشركات في بيئة العمل الرقمية المتغيرة. صياغة بنود دقيقة من بداية العقد حتى آليات الخروج تساعد على تفادي النزاعات وتحمي الملكية الفكرية والبيانات، مما يعزز فرص استمرارية الأعمال ونموها بأمان.
و يحرص مكتب الدكتور مصطفى الروبي دائما على تقديم الدعم القانوني المتخصص لشركات التقنية لضمان حماية مصالحها والامتثال للقوانين المصرية والدولية ذات الصلة.

