هل التوقيع الرقمى و المحررات الإلكترونية حجة قانونية ؟
مع التقدم التكنولوجي المتسارع الذي يشهده العالم في العصر الحديث، أصبحت المحررات الإلكترونية والتوقيعات الرقمية من الأدوات الأساسية التي تدخل في قلب المعاملات القانونية والتجارية والإدارية، بحيث لم تعد أوراق الورق التقليدية تمثل وحدها الإثبات القانوني. هذا التطور دعا المشرعين في مصر إلى الاعتراف رسميًا بحجية هذه الوسائط الرقمية عبر إصدار قانون التوقيع الإلكتروني رقم 15 لسنة 2004، لتكون بداية مرحلة جديدة في نظام الإثبات القانوني تحاكي تطورات الواقع التكنولوجي وتستجيب لاحتياجات العصر الرقمي.
ينص القانون بشكل واضح على أن التوقيع الإلكتروني يُعد وسيلة لإثبات الشخصية تعتمد على أنظمة إلكترونية، وله نفس القوة القانونية التي يتمتع بها التوقيع اليدوي، شريطة تحقق عدة شروط مهمة، منها أن يكون التوقيع صادرًا عن الشخص المخول بذلك، ومرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالمحرر الإلكتروني، وأن يتم عبر وسائل موثوقة ومعتمدة، من جهة مرخصة رسميًا كهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات. هذا التنظيم القانوني لا يمنح فقط صفة القانونية للمحررات الإلكترونية، بل يفرض كذلك معايير فنية وتقنية لضمان سلامة هذه الأدلة الرقمية، وذلك بما يشمل حصر السيطرة على التوقيع لدى الموقع فقط، وإمكانية كشف أي تعديل أو تحريف في البيانات.
لقد عززت محكمة النقض المصرية هذا التوجه القانوني من خلال عدة أحكام قضائية، مما أرسى مبدأ قبول التوقيع الإلكتروني كدليل قانوني ذا حجية كاملة، ورفض إنكاره بمجرد كونه إلكترونيًا دون إثبات التزوير بواسطة الطرق القانونية. هذا الموقف القضائي يعكس تقدماً ملموساً في التعامل مع الأدلة الرقمية، حيث لم يعد بالإمكان إنكار صحة المحررات الإلكترونية بمجرد صيغتها، بل يعتمد الأمر على مدى استيفائها للشروط المنظمة ومدى سلامة الإجراءات الفنية التي رافقتها في إنشائها.
في الجانب التجاري والمدني، تكسب المحررات الإلكترونية قوة إثبات كاملة بموجب مواد قانون الإثبات المصري وبالتكامل مع قانون التوقيع الإلكتروني، فهي على المستوى القانوني تُعتبر مردودًا صالحًا لتقديم الدعوى أو الدفاع عنها، شرط توفر الشروط العملية والفنية التي تنظم استخدامها. وهذا يسهم في تعزيز ثقة الأطراف في التعاملات الإلكترونية، ويحد من التجاوزات والمخاطر المرتبطة بالاحتيال والتزوير، ما يدعم مناخ الأعمال ويعزز الاقتصاد الرقمي في مصر.
أما التوقيع الرقمي، فهو يتفوق على التوقيع الإلكتروني العادي من حيث الأمان والدقة، لأنه يعتمد على تقنيات تشفير حديثة تربط بين هوية الموقع والمحرر الإلكتروني بصورة يصعب تزويرها أو التلاعب بها، وهذا ما جعل الجهات المعتمدة مثل «مصر الرقمية» والشركات المرخصة الأخرى من قبل الهيئة المعنية، تشكل محور الثقة في تطبيق هذه التقنية داخل المعاملات الحكومية والمالية والقضائية. وتعتبر هذه التقنية نقطة تحول أساسية في كيفية تأكيد هوية الأطراف وحماية الحقوق.
في المجمل، يمكن القول إن مصر أمام ثورة حقيقية في مجال الإثبات القانوني، تنتقل فيها من الحقبة التقليدية التي تعتمد بشكل أساسي على الأوراق والمستندات المادية، إلى عصر جديد يتميز بتوثيق البيانات والإثبات عبر الوسائط الرقمية الحديثة. ولكن هذا التحول لا يخلوا من تحديات، فهو يتطلب التزاماً صارماً بالضوابط الفنية والقانونية لتحقيق الضمانة الحقيقية لهذه الأدلة، وضمان سلامة العقود المعتمدة على التوقيعات الإلكترونية، بحيث تحصر النزاعات المحتملة التي قد تنشأ نتيجة أي خلل أو تزوير. وبذلك، تجد المحررات الإلكترونية والتوقيعات الرقمية نفسها في قلب الإطار القانوني المصري، تواكب التطور وتحمي حقوق الأفراد والمؤسسات في بيئة رقمية متطورة.
#التوقيع_الإلكتروني #المحررات_الإلكترونية #قانون_التوقيع_الإلكتروني #الإثبات_القانوني #التكنولوجيا_في_القانون #القضاء_المصري #التحول_الرقمي #الإثبات_الرقمي #التوقيع_الرقمي #مصر_الرقمية #القانون_المصري #التجارة_الإلكترونية #حجية_الأدلة #قانون_الاثبات #التقنية_القانونية
https://www.facebook.com/share/p/177VomU7sm/

