تُعد إعادة الهيكلة إحدى أبرز الأدوات القانونية التي أقرها المشرّع المصري لمعالجة أوضاع الشركات والمنشآت المتعثرة ماليًا، أو التي تواجه اختلالًا في توازنها المالي أو الإداري أو التشغيلي، بما قد يُنذر بتفاقم الأزمة أو تهديد استمرارية النشاط الاقتصادي. وقد نظّم القانون رقم 11 لسنة 2018 هذا النظام ضمن إطار قانوني محكم، بهدف منح المدين حسن النية فرصة لإعادة ترتيب أوضاعه واستعادة توازنه المالي والإداري، دون الحاجة للجوء إلى إجراءات الإفلاس أو التصفية.
إعادة الهيكلة هي إجراء قانوني وقائي يُمكّن التاجر أو الشركة من طلب إعادة تنظيم نشاطه، أو ديونه، أو هيكله الإداري والمالي، أو القانوني، بموجب خطة معتمدة قضائيًا، تهدف إلى استمرار النشاط ومنع انهياره. وتكمن أهميتها في كونها وسيلة احترازية لحماية المنشأة من الانهيار، وتُجنّبها الآثار القانونية والاجتماعية والاقتصادية السلبية المترتبة على إعلان الإفلاس. كما أنها تضمن استمرارية النشاط التجاري من خلال إعادة توزيع الموارد، وتسوية الالتزامات، والتفاوض مع الدائنين، مما يؤدي إلى استدامة العمليات التشغيلية والإنتاجية. فضلاً عن ذلك، تُحقق إعادة الهيكلة التوازن بين حقوق الدائنين ومصلحة المدين، حيث يمكن التفاوض على تخفيض الدين أو إعادة جدولته دون المساس الجوهري بمصالح الطرفين. وتساهم أيضًا في إعادة الثقة في الكيان الاقتصادي، مما يمهد لفرص تمويل جديدة أو شراكات استراتيجية، وتُسهم في المحافظة على فرص العمل التي قد تُفقد في حال تصفية الشركة.
يشترط القانون لطلب إعادة الهيكلة أن يكون المدين تاجرًا مسجلاً، سواء كان شخصًا طبيعيًا أو اعتباريًا، وألا يكون قد صدر ضده حكم نهائي بإعلان الإفلاس، أو سبق له التمتع بإجراء إعادة الهيكلة خلال الخمس سنوات السابقة. كما يجب أن يُثبت المدين حسن نيته وعدم وجود غش أو تدليس في بياناته أو تعاملاته، وأن يُقدّم خطة مبدئية توضح الآليات المقترحة لتسوية الأوضاع.
تتضمن إجراءات طلب إعادة الهيكلة تقديم الطلب إلى المحكمة الاقتصادية المختصة، مرفقًا بقائمة أصول وخصوم الشركة، وأسماء الدائنين والمبالغ المستحقة لهم، وبيان بعدد العاملين والتزامات الشركة تجاههم، ومقترح مبدئي لخطة إعادة الهيكلة. يُقيد الطلب في سجل المحكمة ويُخطر به الدائنون، ثم تُعيّن المحكمة خبير إعادة هيكلة يتولى إعداد التقرير الفني حول مدى جدوى الخطة. تنظر المحكمة في الطلب، وتعتمد الخطة أو تعدلها بالتنسيق مع الدائنين والمدين، ثم تُنفذ الخطة خلال المدة المحددة قضائيًا تحت رقابة المحكمة، ويُمنع اتخاذ أية إجراءات تنفيذية ضد المدين خلال فترة التنفيذ. في حال نجاح الخطة، يُعتبر المدين قد خرج من دائرة التعثّر، أما في حال فشلها أو إخلال المدين بشروطها، يجوز للمحكمة فتح إجراءات الصلح الواقي أو الإفلاس.
أما عن الآثار القانونية لإعادة الهيكلة، فهي تتضمن وقف الإجراءات القضائية الفردية ضد المدين مؤقتًا، ووقف سريان الفوائد التعاقدية خلال مدة التنفيذ، واستمرار إدارة المدين لنشاطه تحت إشراف المحكمة. وفي حال تنفيذ الخطة بنجاح، تُبرأ ذمة المدين وتُغلق إجراءات الحماية.
تُجسّد إعادة الهيكلة خيارًا قانونيًا متوازنًا بين الحماية الوقائية للمنشأة المتعثرة وضمان حقوق الدائنين. وتمثل أداة فعّالة لدعم الاقتصاد الوطني وتثبيت الاستقرار المالي داخل السوق، خاصة في ظل التقلبات الاقتصادية المتسارعة التي يشهدها العالم. لذلك، يُوصى كافة الكيانات التجارية التي تواجه مؤشرات تعثّر مبكرة بعدم التردد في اللجوء إلى إجراءات إعادة الهيكلة، كوسيلة مشروعة ومنظمة قانونيًا لحماية النشاط من الانهيار وتفادي الإفلاس.
https://www.facebook.com/share/p/1B22hrgov3/?mibextid=oFDknk
فى انتظار آرائكم 🙂👇🏻
مؤسسة مصطفى الروبى للمحاماة والتحكيم الدولى https://g.page/r/CZhOx7u_K9UkEBM/review
