تُنظّم عمليات الحجز التحفظي للسفن والأموال البحرية في مصر القانون التجارة البحرية المصري رقم 8 لسنة 1990، مع مراعاة الاتفاقيات الدولية ذات الصلة. ومن أهم هذه الاتفاقيات اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحري للبضائع (هامبورج 1978) و الاتفاقية الدولية لحجز السفن (بروكسل 1952) ، التي ترسّخ نظامًا قانونيًا موحّدًا ينظّم حقوق والتزامات الشاحنين والناقلين والمرسل إليهم بموجب عقد نقل البضائع بحراً» وتشير هذه الاتفاقية إلى أن «الناقل» هو كل من يبرم عقد النقل البحري ويصبح مسؤولًا عن البضائع. وبمقتضاها يكون الناقل مسئولًا عن فقدان أو تلف البضائع أو تأخير تسليمها أثناء حملها. ومن الناحية المحلية، يقتصر الحجز التحفظي على الدائنين الذين يثبتون أن دينهم يدخل ضمن مصطلح «الديون البحرية» الوارد في القانون المصري
مفهوم الدين البحري وشروط الحجز التحفظي
ينص قانون التجارة البحرية المصري على أنه «لا يوقع الحجز التحفظي إلا وفاءً لدين بحري» ويحدّد القانون بالمادة (60) أنواع الديون البحرية التي يجوز الحجز لأجلها، ومنها مثلاً
• رسوم الموانئ والممرات المائية ورسوم الخدمات الملاحية.
• مصاريف الإنقاذ ورفع الحطام أو إزالة أضرار السفن والبضائع.
• الأضرار البحرية كالاصطدام أو التلوث البحري أو أي حوادث مشابهة.
• تعويضات الأرواح والإصابات الناجمة عن استعمال السفينة.
• عقود تشغيل السفينة أو تأجيرها بما فيها عقود التمييز والإيجار.
• عقود نقل البضائع (بموجب سند شحن أو عقد إيجار) بما في ذلك خسارة أو تلف البضائع والأمتعة.
• أجور طاقم السفينة ومقابل الأعمال البحرية والملاحة.
• المنازعات في ملكية السفينة أو في شيوعها أو رهنها البحري .
جميع هذه الأمثلة واردة حصريًا في قانون التجارة البحرية (المادة 60)، والذي تم صياغتها تمشياً مع الاتفاقية الدولية لحجز السفن (بروكسل 1952) ويقرّ القانون في مادته (61) أن «لكل من يتمسك بأحد الديون المذكورة في المادة السابقة أن يحجز على السفينة التي يتعلق بها الدين أو على أي سفينة أخرى يملكها المدين إذا كانت مملوكة له وقت نشوء الدين» (ومع ذلك، يحظر القانون حجز سفينة غير معنية بالدين إذا كان الدين من فئات معينة كالديون المتعلقة بالملاّك المشترك أو الرهن البحري
إجراءات الحجز في الموانئ المصرية
يصدر أمر الحجز التحفظي بأمر من قاضي الأمور المستعجلة في المحكمة الابتدائية المختصة، بناءً على طلب الدائن المقدم مع الأوراق الثبوتية. وتنفيذ أمر الحجز يتم فور صدوره في الميناء الذي توجد به السفينة (حتى لو كانت مهيّأة للمغادرة) وبمقتضى المادة (64) من القانون، تُسلم نسخ من محضر الحجز إلى الجهات الآتية لوقف السفينة عن الإبحار:
• نسخة للقبطان أو من يقوم مقامه على السفينة.
• نسخة للسلطة البحرية المختصة بالميناء حيث وقع الحجز، لمنع السفينة من المغادرة.
• نسخة لمكتب تسجيل السفن بالميناء لتقييد إشعار الحجز في سجل الميناء
هذه الإجراءات الدقيقة تضمن حجز السفينة فعلياً في حدود الميناء، وتدخل ضمن الضوابط القانونية لتنفيذ أوامر الحجز البحرية كما ينظّم القانون ما يعرف بالحجز التنفيذي بعد إثبات الدين بحكم محكمة (مادة 67) مع إجراءات إنذار المدين، وتسجيل الحجز في دفاتر الميناء والقنصلية (مواد 68 و69)، تمهيداً لإجراءات البيع الجبري إذا لزم الأمر
دور القاضي وضوابط إصدار أمر الحجز
يقوم القاضي المختص بالمحكمة الإقتصادية بدراسة طلب الحجز بناءً على الوثائق المقدمة من الدائن دون الاستماع مسبقاً للخصم ، إذ تتطلب إجراءات الحجز بحضورالدائن فقط وتصدر في غياب الطرف الآخر و للقاضي المختص «الحق في إجراء تحقيق موجز في الأسباب» ويصدر الأمر بناءً على تقديره الخاص ولا يُلزم القاضي بيان الأسباب عند الموافقة على الطلب أو رفضه وفي حالة رفض الطلب، يحق للدائن تقديم طلب جديد أو برفع دعوي حجز أمام محكمة المور المستعجلة بالمحكمة الإقتصادية، ويخضع الحكم الصادر للطعن فيه أمام محكمة الإستئناف
وتجدر الإشارة أن القانون يسمح درءً للنزاع بقبول كفالات أو ضمانات بديلة فعلى سبيل المثال، إذا قدم الناقل المدين خطاب ضمان بنكي غير قابل للإلغاء أو كفالة تغني عن الحجز، تأمر المحكمة برفع الحجز غير أن يجعل رفع الحجز غير ممكن في بعض حالات الديون البحرية مثل الخسائر المشتركة أو منازعات الشيوع (م 63/2
ما بعد الحجز: دعوى إثبات الدين وصحة إجراءات الحجز
يُشترط قانوناً أن يقيم الدائن الحاجز دعوى أصلية أمام المحكمة الإقتصادية المختصة بإثبات الدين وصحة الحجز خلال ثمانية أيام من تاريخ تسليم محضر الحجز إلى الربّان فإذا انقضى هذا الأجل دون إقامة الدعوى، يُعتبر الحجز «كأن لم يكن»، أي يُبطل بطلانًا مطلقًا وتتواتر أحكام محمكة النقض المصرية علي أهمية ذلك المقتضى بالإشارة إلى أن ضياع هذا الأجل يسقط حق الدائن في تثبيت الحجز وفي حال ثبوت الدين بموجب الحكم يأمر القاضي بثبوت الحجز والبيع وفق شروط تحددها المحكمة
وفي كل الأحوال، يكون للمحكوم عليه (مدين السفينة) حق الطعن في أمر الحجز أو حكم الإثبات خلال المهل
القانونية، كما يمكن رفع الحجز مقابل كفالة مناسبة في أي مرحلة
وفي النهاية نؤكد علي أن الحجز التحفظي للسفن إجراءً قانونياً دقيقاً تخضع ضوابطه للإتفاقيات الدولية والقانون المصري معاً ، المر الذي يتطلب دوماً إصدار أمر الحجز وجود دين بحري معلوم ، وتتم إجراءات الحجز بميناء السفينة ويلعب القاضي دوراً حاسماً في الموافقة على طلب الحجز بناء على مدى توافر عناصر الدين البحري، ويشدد القانون على إتمام إقامة الدعوى الأصلية لإثبات الدين وصحة الحجز في المواعيد المحددة ومن ثم فإن الإلتزام بهذه الضوابط القانونية يحمي حقوق الدائن والمدين على السواء ويضمن سير المنافسة البحرية ضمن قواعد واضحة ومتوازنة.

