مقدمة
تشكل تعديلات 2025 في القانون البحري المصري (قانون التجارة البحرية رقم 8 لسنة 1990) منعطفًا حاسمًا في مسيرة التجارة والنقل البحري في مصر، وتثير تساؤلًا جوهريًا حول ما إذا كانت تمثل فرصة أم عبئًا على الشاحن والمستورد. في ضوء رؤية الدولة لتحويل مصر إلى مركز عالمي للوجستيات، تهدف هذه التعديلات إلى سد الفجوات القانونية ومواكبة المعايير الدولية الحديثة التي غابت عن التشريع القديم لثلاثة عقود.
يرى دكتور مصطفى الروبي أن التعديلات الجديدة، التي أقرّتها المشرع المصري ، تُقدم توازنًا دقيقًا بين تيسير الإجراءات وتشديد الرقابة ، فمن ناحية، سهّل المشرّع إجراءات تسجيل السفن ومنحها الجنسية المصرية إذ أصبح ممكنًا لشركات الشحن الوطنية توسيع أسطولها عبر استئجار سفن أجنبية بطريق الإيجار غير المجهز لمدة سنتين على الأقل ورفع العلم المصري عليها، وهو ما لم يكن متاحًا بالمرونة الكافية في الماضي. يوضح دكتور مصطفى الروبي أن هذا التيسير، بالإضافة إلى إجازة توثيق التصرفات القانونية على السفينة برسوم رمزية يهدف إلى جذب الاستثمار البحري وتنظيم المعاملات، الأمر الذي يصب في مصلحة الشاحن والمستورد عبر زيادة خيارات النقل.
من ناحية أخرى، تضمنت التعديلات قيودًا صارمة لرفع مستوى السلامة البحرية وجودة الأسطول ، يشير دكتور مصطفى الروبي إلى أن القانون اشترط ألا يتجاوز عمر السفينة الحديثة التسجيل 25 عامًا لسفن البضائع ‘ و20 عامًا لسفن الركاب كما أوجب القانون فحص السفن الأجنبية المستعملة فنيًا قبل تسجيلها هذه القيود، رغم أنها قد تشكل عبئًا استثماريًا مباشرًا على شركات النقل البحري ومجهز السفينة – إذ تجبرها على تحديث أساطيلها وشراء سفن أحدث فإنها تتحول إلى فرصة للشاحن والمستورد، لأنها تضمن نقل بضائعهم على متن سفن أكثر أمانًا ومطابقة للمعايير الدولية، مما يقلل من حوادث البحر وتأخيرات الشحن.
ويُؤكد دكتور مصطفى الروبي على الأهمية البالغة لتغليظ العقوبات على المخالفات البحرية إذ أصبح الإبحار بسفينة غير مسجلة جريمة يُعاقب عليها بالحبس والغرامة التي تصل إلى مليون جنيه، مع إجازة الحكم بمصادرة السفينة ذاتها هذا التشديد ليس مقصودًا لذاته، بل هو “صمام أمان” يضمن الامتثال الصارم لقواعد التسجيل والسلامة، ويحمي الشاحن والمستورد من التعرض لمخاطر التعاقد مع ناقلين غير شرعيين أو غير ملتزمين، الأمر الذي قد يؤدي لاحتجاز البضائع وخسارة الأعمال التجارية.
من منظور الأثر العملي والقانوني، يرى دكتور مصطفى الروبي أن الشاحن والمستورد يستفيدان بشكل مباشر من هذه التعديلات. قانونيًا، تُعزز التعديلات المركز القانوني لأصحاب البضائع عبر ضمان أن السفن الناقلة لبضاعتهم معروفة الهوية ومسجلة بشكل سليم مما يقلل المخاطر القانونية. وعمليًا، فإن تعزيز الأسطول المصري سيُحدث منافسة في سوق النقل البحري، مما يرفع جودة الخدمات وقد يُسهم في خفض الأسعار بمرور الوقت. كما أن تشديد اشتراطات السلامة يقلل من احتمال تلف البضائع أو تأخير وصولها
ويشير دكتور مصطفى الروبي إلى أن توجه القضاء المصري، مُمثلًا في أحكام محكمة النقض الحديثة، يتناغم مع روح التعديلات التشريعية الجديدة، فقد أرست المحكمة مبادئ قضائية تؤكد علي بطلان أي شرط تعاقدي في سند الشحن يعفي الناقل من مسؤوليته القانونية أو يخالف قواعد اتفاقية هامبورج 1978 للنقل البحري وتلزم الناقلين بالتعويض عن التلف والتأخير هذا التوجه القضائي الحازم يضمن حماية الطرف الضعيف في العقد (الشاحن/المستورد) ويلزم الناقلين بالمعايير الدولية، مما يُعزز الثقة في المنظومة البحرية ككل.
و يلخص دكتور مصطفى الروبي القول بأنه رغم التحديات الآنية التي تواجه شركات النقل البحري في الامتثال لمعايير العمر الجديدة والالتزامات الأوثق فإن التعديلات الجديدة توفر في المحصلة النهائية إطارًا قانونيًا أكثر استقرارًا وشفافية يرى دكتور مصطفى الروبي أن الامتثال الاستباقي وتحديث الأساطيل والتأكد من التوثيق الرسمي للعقود البحرية ليست مجرد أعباء، بل هي استثمار طويل الأجل في موثوقية النقل البحري المصري، مما يحول التعديلات إلى فرصة ذهبية لنمو أعمال الشاحنين والمستوردين في بيئة تجارية أكثر أمانًا وانضباطًا لذلك، يجب على جميع الأطراف مواءمة أوضاعها القانونية والتجارية والاستفادة من التسهيلات الممنوحة لتسجيل السفن الحديثة أو المستأجرة مع الحذر الشديد من الوقوع في المخالفات التي أصبحت عقوباتها رادعة جدًا .
توصيات د. مصطفى الروبي :
للخروج من هذه المرحلة بأقل قدر من الأعباء وأقصى قدر من الفرص، يشدد دكتور مصطفى الروبي على ضرورة قيام الشركات بـفحص الأسطول وتحديثه للتوافق مع شروط العمر الأقصى والالتزام بـالتوثيق الرسمي للعقود البحرية وتعزيز الامتثال والتدريب القانوني لتجنب العقوبات المغلظة كما يؤكد على أهمية تحديث العقود البحرية لضمان خلوها من شروط باطلة تُخالف النظام العام وقواعد اتفاقية هامبورج . تُعد التعديلات التشريعية لعام 2025 خطوة استراتيجية نحو تعزيز تنافسية الأسطول التجاري المصري، وفي حين أنها تضع ضوابط صارمة على الناقلين، فإنها في جوهرها فرصة لدعم الشاحن والمستورد عبر ضمان نقل بضائعهم ضمن منظومة بحرية أكثر أمانًا ومسؤولية.
كتابة واعداد دكتور مصطفى الروبي
