Visit us: 170 El-Horreya El-Ibrahimia Road, Bab Sharq, Alexandria

divinext
Contact Us

تتسم عقود النقل البحري بأهمية خاصة في مجال الشحن والاستيراد والتصدير، حيث يتعين على الناقل البحري تسليم البضائع كاملة وسليمة إلى المرسل إليه. ومع ذلك، وضعت القوانين والاتفاقيات الدولية نظامًا يحدد حدود مسؤولية الناقل البحري عن هلاك أو تلف أو تأخير تسليم البضائع، بحيث لا يتجاوز سقف التعويض البحري مبلغًا معينًا لكل طرد أو لكل كيلوغرام من البضاعة. في هذه المقالة نستعرض الإطار القانوني لتحديد مسؤولية الناقل في القانون المصري ومقارنته مع قواعد هامبورج (اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحري للبضائع لعام 1978)، مع أمثلة تطبيقية لحساب التعويض، وحالات سقوط حق الناقل في التمسك بالحدود، ودور بوليصة الشحن في تجاوز هذه الحدود، مدعومة بنماذج قضائية حديثة. نختتم أيضًا بمجموعة نصائح عملية موجهة للشركات الشاحنة والناقلين البحريين من واقع خبرة مكتب الدكتور مصطفى الروبي في تعويضات الشحن البحري.

نظام تحديد مسؤولية الناقل البحري: القانون المصري مقابل قواعد هامبورج

القانون البحري المصري (قانون التجارة البحرية رقم 8 لسنة 1990) تبنى نظامًا حديثًا لمسؤولية الناقل البحري متأثرًا باتفاقية هامبورج. القاعدة العامة أن مسؤولية الناقل عن هلاك البضائع أو تلفها قائمة مفترضة، ولا يحتاج صاحب البضاعة لإثبات خطأ الناقل لقيام المسؤولية، بل على الناقل نفيها بإثبات سبب أجنبي أو إحدى حالات الإعفاء المنصوص عليها. بالمقابل، يحق للناقل تقييد مبلغ التعويض المستحق ضمن حدود معينة بغض النظر عن القيمة الحقيقية للبضاعة، وذلك تحقيقًا للتوازن بين مصالح الشاحن والناقل.

وفق القانون المصري الحالي، تم تحديد حد أقصى للتعويض عن خسارة أو تلف البضاعة يعادل 2000 جنيه مصري عن كل طرد أو وحدة شحن، أو 6 جنيهات مصرية عن كل كيلوغرام من الوزن الإجمالي للبضاعة، ويتم تطبيق الحد الأعلى بين هذين الخيارين  أي أن التعويض يحسب على أساس عدد الطرود أو الوزن أيهما يمنح مبلغًا أكبر، وهو ما يُعرف بأسلوب الجمع بين المعيارين. على سبيل المثال، إذا تعرضت بضاعة تتكون من 100 طرد ويبلغ وزنها الإجمالي 10,000 كجم للهلاك أو التلف، فإن سقف التعويض وفق القانون المصري يكون الأعلى بين: 100 × 2000 جنيه (أي 200,000 جنيه) على أساس عدد الطرود، أو 10,000 × 6 جنيهات (أي 60,000 جنيه) على أساس الوزن. في هذه الحالة يكون الحد الأقصى للتعويض هو 200,000 جنيه لكونه الأعلى وقد اعتُبرت هذه الحدود معقولة عند صدور القانون عام 1990 ولا تجهد الناقل ولا تفرغ حماية الشاحن من مضمونها، إلا أنه يجدر بالشركات ملاحظة أن تغير قيمة العملة عبر السنوات جعل هذه المبالغ متدنية مقارنة بقيمة البضائع اليوم.

أما قواعد هامبورج (وهي اتفاقية دولية صادقت عليها مصر واعتُبرت جزءًا من القانون الوطني) فقد حددت حدود المسؤولية بوحدة حقوق السحب الخاصة (SDR) التابعة لصندوق النقد الدولي لضمان ثبات القيمة. تنص قواعد هامبورج على أن مسؤولية الناقل عن هلاك أو تلف البضاعة لا تتجاوز 835 وحدة حساب (حقوق سحب خاصة) عن كل طرد أو وحدة شحن أو 2.5 وحدة حساب عن كل كيلوغرام من وزن البضاعة أيهما أعلى. هذه الحدود تعادل حاليًا تقريبًا (بحساب قيمة وحدة السحب الخاصة) ما يزيد عن 30 ألف جنيه مصري لكل طرد أو نحو 90 جنيهًا لكل كيلوغرام، وهي بذلك أعلى بكثير من الحدود المنصوص عليها في القانون المصري بسبب فروق تحديث القيمة. على سبيل المقارنة: في المثال السابق (100 طرد بوزن 10,000 كجم)، يكون الحد الأقصى وفق قواعد هامبورج هو الأعلى بين 100 × 835 = 83,500 وحدة حساب، أو 10,000 × 2.5 = 25,000 وحدة حساب. وبما أن 83,500 أعلى، فذلك هو سقف التعويض حسب اتفاقية هامبورج، وهو ما يعادل مئات آلاف الجنيهات يتضح أن تطبيق قواعد هامبورج يزيد بشكل ملموس من مسؤولية الناقل مقارنة بالقانون المصري الحالي، مما يعكس الهدف من الاتفاقية في تعزيز حماية حقوق الشاحنين عالميًا.

مسؤولية الناقل عن التأخير في التسليم تستحق الإشارة أيضًا عند مقارنة النظامين. يعرّف التأخير بأنه عدم تسليم البضاعة خلال المدة المتفق عليها أو ضمن المدة التي يسلم فيها ناقل بحري عادي البضاعة في ظروف مماثلة[. في القانون المصري يُعتبر التأخير حالة من حالات الضرر التي يغطيها عقد النقل، ولكن التعويض عنه لا يتجاوز أيضًا الحد الأقصى المنصوص عليه للبضاعة نفسها (أي نفس حدود 2000 جنيه للطرد أو 6 جنيه/كجم. إضافة لذلك، أوجب القانون المصري على صاحب الحق إخطار الناقل كتابةً بالتأخير خلال 60 يومًا من تاريخ التسليم وإلا سقط حقه في التعويض عن التأخير. في المقابل، قواعد هامبورج وضعت حدًا مستقلاً لمسؤولية الناقل عن التأخير يتمثل في مبلغ لا يتجاوز مثلي ونصف (2.5 ضعف) أجرة النقل المستحقة عن البضائع المتأخرة، وبشرط أن لا يتجاوز هذا المبلغ إجمالي أجرة النقل المتفق عليها بموجب العقد. أي أن التعويض عن التأخير بموجب الاتفاقية مرتبط بنسبة من أجرة الشحن، وليس بقيمة البضاعة، مما يضع سقفًا عمليًا يتناسب مع كلفة النقل ذاته. كما تجدر الإشارة إلى أن قواعد هامبورج تتطلب هي الأخرى إخطارًا كتابيًا من المرسل إليه خلال مدة محددة (15 يومًا من التسليم للأضرار غير الظاهرة مثلًا) لضمان حقه في مطالبة التعويض، وذلك حتى لا يفترض القانون تسليم البضاعة سليمة.

أمثلة حسابية لحساب سقف التعويض البحري

لتوضيح طريقة احتساب سقف التعويض البحري عمليًا وفق كل من القانون المصري وقواعد هامبورج، نعرض فيما يلي بعض النماذج الحسابية التطبيقية:

  • مثال 1: بضاعة خفيفة الوزن متعددة الطرود: لنفترض شحنة مكونة من 50 طردًا من البضائع الإلكترونية، الوزن الإجمالي لجميع الطرود 1000 كجم وقيمتها السوقية عالية. تعرضت الشحنة للتلف الكامل بسبب حادث خلال النقل.
  • وفق القانون المصري: الحد الأقصى للتعويض = الأعلى بين (50 طرد × 2000 جنيه = 100,000 جنيه) وبين (1000 كجم × 6 جنيهات = 6,000 جنيه). النتيجة هنا أن عدد الطرود هو المعيار الأعلى، فيكون سقف التعويض 100,000 جنيه مصري عن كامل الخسارة مهما بلغت القيمة الفعلية.
  • وفق قواعد هامبورج: الحد الأقصى للتعويض = الأعلى بين (50 طرد × 835 وحدة = 41,750 وحدة حساب SDR) وبين (1000 كجم × 2.5 وحدة = 2,500 وحدة SDR). هنا معيار الطرود أيضًا هو الأعلى؛ 41,750 وحدة SDR تعادل حاليًا تقريبًا حوالي 1.3 مليون جنيه مصري (إذا كان 1 SDR ≈ 30 جنيهًا)، وهو الحد الأقصى لمسؤولية الناقل حسب الاتفاقية. الفارق شاسع في هذه الحالة، مما يشدد على أهمية معرفة النظام القانوني المطبق.
  • مثال 2: بضاعة ثقيلة قليلة الطرود: لنفترض شحنة عبارة عن ماكينة صناعية واحدة وزنها 5000 كجم (5 أطنان) مشحونة كقطعة واحدة (طرد واحد). تعرضت الماكينة للتلف أثناء الرحلة.
  • وفق القانون المصري: الحد الأقصى = الأعلى بين (1 طرد × 2000 جنيه = 2000 جنيه) وبين (5000 كجم × 6 جنيهات = 30,000 جنيه). هنا معيار الوزن يعطي مبلغًا أعلى، فيكون السقف 30,000 جنيه.
  • وفق قواعد هامبورج: الحد الأقصى = الأعلى بين (1 طرد × 835 وحدة = 835 SDR) وبين (5000 كجم × 2.5 = 12,500 SDR). من الواضح أن معيار الوزن يتجاوز كثيرًا معيار الطرد (12,500 مقابل 835)، فيكون سقف التعويض 12,500 وحدة SDR (ما يعادل تقريبًا 375 ألف جنيه مصري). مرة أخرى يظهر أن الاتفاقية توفر تعويضًا أكبر بكثير للشاحن مقارنة بالقانون المصري في مثل هذه الحالة.

هذه الأمثلة تبين آلية حساب التعويضات في الشحن البحري بموجب النظامين. وتجدر الإشارة إلى أن تحديد ما إذا كانت الحاوية الواحدة تعتبر “طردًا” أم أن العبرة بعدد الطرود داخلها يمكن أن يؤثر بشكل جوهري على حساب الحد الأقصى. فالقانون المصري وكذا قواعد هامبورج يعتدان بعدد الطرود أو الوحدات المدونة في بوليصة الشحن: إذا ذكرت البوليصة أن الحاوية تحتوي 100 صندوق مثلًا، فيُعامل كل صندوق كوحدة مستقلة لأغراض تحديد المسؤولية؛ أما إذا لم تُفصّل المحتويات وعوملت الحاوية كطرد واحد، فيطبق الحد على أساس حاوية واحدة. لذلك من الضروري تدوين تفاصيل الطرود في سند الشحن بوضوح لتجنب أي لبس يمكن أن يستغله أي طرف لتخفيف أو زيادة نطاق مسؤوليته.

حالات سقوط حق الناقل في التمسك بحدود المسؤولية (الغش والإهمال الجسيم)

على الرغم من أهمية نظام تحديد المسؤولية في حماية الناقلين، إلا أن حق الناقل في التمسك بحدود المسؤولية يسقط في بعض الحالات الاستثنائية التي يكون فيها سلوك الناقل مشينًا أو متعمدًا. يؤكد كل من القانون المصري وقواعد هامبورج أنه لا يجوز للناقل الإفادة من سقف التعويض المحدد قانونًا إذا ثبت أن الضرر بالبضاعة نجم عن غش من جانبه أو عن خطأ جسيم يرقى إلى تعمد إحداث الضرر أو الاستهتار المقرون بإدراك بأن ضررًا قد يحدث. وقد تبنى المشرع المصري نفس صياغة اتفاقية هامبورج في هذا الشأن، حيث نصت المادة 241 من قانون التجارة البحرية على أنه

 (1)لا يجوز للناقل التمسك بتحديد مسئوليته عن هلاك البضائع أو تلفها أو تأخير تسليمها إذا ثبت أن الضرر نشأ عن فعل أو امتناع صدر منه أو من نائبه أو من أحد تابعيه بقصد إحداث الضرر أو بعدم اكتراث مصحوب بإدراك أن ضررا يمكن أن يحدث.

(2) ويفترض اتجاه قصد الناقل، أو نائبه إلى إحداث الضرر في الحالتين الآتيتين :

( أ ) إذا أصدر سند الشحن خال من التحفظات مع وجود ما يقتضى ذكرها في السند وذلك بقصد الإضرار بالغير حسن النية.

(ب) إذا شحن البضائع على سطح السفينة بالمخالفة لاتفاق صريح يوجب شحنها في عنابر السفينة.. هذه العبارة الأخيرة تقابل ما يُعرف في الفقه والقضاء بـ”الخطأ الجسيم” أو “الإهمال غير المغتفر”، وهي حالات يتجاوز فيها سلوك الناقل نطاق الأخطاء العادية إلى درجة الاستهتار الفادح بحقوق الشاحن.

ومن أمثلة تلك الحالات التي يفترض فيها القانون قصد الناقل إحداث الضرر (أي يُعامل كحالة غش حكمي) ما يلي:
– إذا أصدر الناقل سند شحن نظيفًا خاليًا من التحفظات رغم علمه بوجود تلف أو عيب في البضاعة يستوجب ذكره، وكان ذلك بقصد الإضرار بالغير حسن النية (كالمُؤمَّن له أو المرسل إليه الذي سيعتمد على نظافة سند الشحن. في هذه الحالة يُحرم الناقل من ات المسؤولية لأنه تعمّد الإخفاء والإضرار.
– إذا قام الناقل بشحن البضاعة على سطح السفينة خلافًا لاتفاق صريح مع الشاحن يشترط شحنها في عنابر السفينة (تحت السطح. فمثلاً، قد تتضرر بعض البضائع من مياه البحر أو عوامل الجو إذا شُحنت على السطح. إن مخالفة تعليمات الشحن بشكل صارخ كهذا تُفقد الناقل حق التحديد لأنه خالف عقد النقل عن دراية بما قد يترتب.

في هذه الظروف، يصبح الناقل مسؤولاً كامل المسؤولية عن أي ضرر يقع على البضاعة دون أن يتمكن من التذرع بأي سقف قانوني للتعويض. ومن الناحية العملية، فإن رفع دعوى على أساس الغش أو الإهمال الجسيم يتطلب من المدعي (الشاحن أو المؤمن أو من له الحق) إثبات هذا السلوك العمدي أو المستهتر من جانب الناقل أو تابعيه. وفي المقابل، إذا نجح المدعي في ذلك، فإن التعويض يمكن أن يشمل كامل الضرر الفعلي وربما أضرارًا إضافية وفقًا لقواعد المسؤولية التقصيرية العامة، وقد يتجاوز كثيرًا حدود المسؤولية التقليدية.

تؤكد أحكام القضاء المصري على هذه القاعدة الصارمة. فقد قضت محكمة النقض المصرية بأن أي شرط يُدرج في عقد النقل البحري أو سند الشحن يهدف إلى إعفاء الناقل من المسؤولية أو تخفيضها عن الحد القانوني في حالة هلاك أو تلف البضاعة أو التأخير في تسليمها يعتبر باطلًا بطلانًا مطلقًا لمخالفته للنظام العام. وهذا يعني أنه حتى الاتفاقات الخاصة بين الناقل والشاحن قبل وقوع الضرر لا يمكنها حماية الناقل إذا كان الضرر ناشئًا عن غشه أو إهماله الجسيم – حيث يتجاوز الأمر نطاق السماح القانوني. بل إن المادة 236 من القانون البحري المصري أبطلت أي اتفاق يُبرم قبل الحادث ويكون موضوعه إعفاء الناقل من المسؤولية أو تخفيض حدودها القانونية أو تعديل عبء الإثبات لمصلحته، مراعيةً استثناء واحد هو جواز زيادة الناقل لمسؤوليته طواعيةً (لصالح الشاحن) أو تنازله عن بعض حقوقه].

التصريح بقيمة البضاعة في بوليصة الشحن وتجاوز حدود المسؤولية

على الرغم من وجود حدود قصوى لتعويضات الشحن البحري كما أسلفنا، إلا أن القانون يتيح للشاحن وسيلة لتجاوز هذه الحدود والحصول على تغطية أكبر للمخاطر: وهي التصريح بقيمة البضاعة في سند الشحن (بوليصة الشحن). إذا رغب الشاحن في ضمان تعويض يعادل القيمة الحقيقية لبضاعته النفيسة أو مرتفعة الثمن، يمكنه أن يصرّح للناقل بقيمة البضاعة وأهميتها الخاصة قبل الشحن، ويُدوَّن هذه القيمة وطبيعة البضاعة في بوليصة الشحن. بموجب المادة 234 من قانون التجارة البحرية المصري يفقد الناقل حقه في التحديد القانوني لمسؤوليته إذا قدم الشاحن بيانًا قبل الشحن عن طبيعة البضاعة وقيمتها وذكر البيان في سند الشحن. بمعنى آخر، يتحمل الناقل المسؤولية كاملةً وفق القيمة المصرّح بها (ما لم يثبت أن القيمة المعلنة مبالغ فيها أو غير صحيحة). هذا الإجراء يُستخدم عادة عند نقل بضائع ذات قيمة مادية أو معنوية عالية جدًا مثل التحف الفنية أو الأجهزة الدقيقة أو المشغولات الذهبية… إلخ، حيث قد يطلب الناقل في المقابل رسوم شحن إضافية نظير عنايته الخاصة بهذه البضاعة وبقبوله تحمل مسؤولية أكبر.

من الناحية العملية، يشكل التصريح بالقيمة عقدًا ضمنيًا على مسؤولية موسعة. الشاحن يصرح ويثبت قيمة بضاعته في سند الشحن، وغالبًا ما يدفع علاوة أو أجرة نقل أعلى، وفي المقابل يلتزم الناقل بأي ضرر يقع بالبضاعة حتى تلك القيمة دون أن يستطيع التمسك بالسقف المحدود. وقد أقام القانون قرينة قانونية لصالح الشاحن بأن القيمة المذكورة في السند هي القيمة الصحيحة للبضاعة، مما يعني نقل عبء الإثبات إلى الناقل إذا ادعى عكس ذلك. ولكن المشرّع أجاز للناقل أن يطعن في صحة القيمة المعلنة تجاه الشاحن أو الغير (مثل شركة التأمين) لإثبات أنها تفوق القيمة الحقيقية، إذ من غير المعقول أن يلتزم الناقل بتقدير ربما يكون عشوائيًا أو مبالغًا فيه وضعه الشاحن بنفسه. وعلى الناقل في هذه الحالة إثبات التقدير الصحيح عبر خبراء مختصين، خاصة في البضائع النادرة أو الفنية أو ما شابه إذا نجح الناقل في ذلك قد يُخفَّض التعويض إلى المبلغ المثبت فعليًا، أما إذا لم ينجح فيبقى ملتزمًا بالقيمة المعلنة كاملة.

تجدر الإشارة إلى أن الشاحن ليس ملزمًا قانونًا بالتصريح بقيمة البضاعة؛ فهذا الخيار يعود لتقديره بناءً على مصلحة تجارية وتقييمه لمخاطر الرحلة البحرية. كثير من الشركات قد تفضّل التأمين الخارجي على البضاعة بدلًا من دفع أجرة أعلى للناقل مقابل التصريح بالقيمة في سند الشحن. لذا، ينصح دائمًا بدراسة الجدوى: إذا كانت قيمة البضاعة كبيرة جدًا وتتجاوز حدود المسؤولية المعتادة بمراحل، فقد يكون التصريح بالقيمة مبررًا خصوصًا في الرحلات ذات المخاطر، أما إن كانت الحدود القانونية تفي بتغطية معظم قيمة البضاعة أو كان التأمين متاحًا بكلفة معقولة، فقد يُكتفى بذلك دون تصريح.

أمثلة قضائية واقعية وتطبيقات من المحاكم المصرية

ساهمت المحاكم المصرية، لا سيما المحكمة الاقتصادية ومحكمة النقض، في توضيح معالم مسؤولية الناقل البحري وحدود التعويض في ضوء القانون المصري واتفاقية هامبورج. فيما يلي بعض الدروس المستفادة من الواقع القضائي:

  • اشتراط الالتزام بإجراءات المطالبة لضمان التعويض: في قضية حديثة أمام محكمة النقض تتعلق بشحنة سوائل تحولت إلى حالة متحجرة (صلبة) بسبب تأخر التسليم، انتقدت المحكمة إهمال المحكمة الأدنى لعدد من الشروط الجوهرية لضمان التعويض وفق قواعد هامبورج. حيث أوضحت النقض أنه كان ينبغي على قاضي الموضوع التحقق مما إذا كان سند الشحن يتضمن بيان حالة البضاعة (سائلة أم صلبة) عند الشحن، والتثبت من تاريخ استلام المرسل إليه للشحنة وتاريخ إخطاره للناقل بعيب التلف، وما إذا كان الإخطار قد تم في الميعاد المحدد في الاتفاقية. كما أشارت المحكمة إلى ضرورة معرفة مصير البضاعة التالفة وما إذا كانت ما زالت في حوزة صاحبها عند المطالبة بكامل قيمتها، تفاديًا للإثراء بلا سبب (أي أن لا يجمع الشاحن بين البضاعة ذاتها – ولو تالفة – وتعويض كامل قيمتها). انتهت محكمة النقض إلى نقض الحكم السابق للقصور في التسبيب وأحالت القضية للمحكمة الاستئنافية للفصل مجددًا يُبرز هذا الحكم أهمية اتباع الإجراءات المنصوص عليها قانونًا واتفاقيًا (مثل إدراج التحفظات في بوليصة الشحن، والإخطار في المواعيد، وتقديم أدلة التلف) لضمان نجاح دعوى التعويض.
  • مبدأ عدم انتهاء مسؤولية الناقل إلا بالتسليم السليم: أرست محكمة النقض في أحكام متعددة مبدأً مفاده أن عقد النقل البحري لا ينقضي ولا تنتهي معه مسؤولية الناقل إلا بتسليم البضاعة كاملة وسليمة إلى المرسل إليه أو نائبه في ميناء الوصول المتفق عليه. أي أن عبء الحفاظ على البضاعة وضمان سلامتها يظل على عاتق الناقل حتى لحظة التسليم الفعلي. وقد طبقت هذا المبدأ في قضايا تتعلق بعجز في عدد الطرود المسلمة أو تلف جزء من الرسالة، حيث اعتُبر الناقل مسؤولًا ما لم يثبت العكس. وفي إحدى القضايا ألزمت المحكمة ناقلًا بحريًا بتعويض شركة استيراد عن عجز في رسالتها من المواسير (حيث وُجد نقص 19 ربطة من أصل 736 رُبطة) ، على اعتبار أن مسؤولية الناقل المفترضة عن البضاعة المشحونة لم تنته لأن التسليم لم يكن كاملًا كما ينبغي تعاقديًا. ورغم أن الناقل دفع بعدم مسؤوليته بحجة الظروف أو أفعال المرسل إليه، أكدت المحكمة أن عليه عبء إثبات تفريغ كامل البضاعة كما استلمها أو إثبات سبب أجنبي أدى للنقص. هذا يؤكد نهج القضاء المصري في حماية أصحاب البضائع بضمان حصولهم على تعويض عن أي نقص أو تلف عند عدم التسليم الصحيح، مع الاستناد في تقدير التعويض إلى حدود المسؤولية القانونية ما لم يثبت الغش أو الخطأ الجسيم كما أسلفنا.

إن هذه الأمثلة القضائية تبرز كيفية تفعيل النصوص النظرية في الواقع العملي. فالمحاكم تطبق قواعد هامبورج جنبًا إلى جنب مع القانون الوطني، وتعتبر أحكام الاتفاقية من النظام العام الواجب مراعاته. وبذلك، فإن أي محاولة للناقل للتهرب من مسؤوليته أو الحد منها خارج الإطار القانوني المسموح تقابل بالرفض القضائي. كما تبين الأحكام ضرورة حرص الشاحنين على توثيق حالة بضائعهم وإخطار الناقلين بالضرر في المهل المحددة، وإلا واجهوا صعوبات في إثبات مطالباتهم أو قد يفقدون حقهم في التعويض رغم أحقيتهم الأصلية.

نصائح مكتب الدكتور مصطفى الروبي للشاحنين والناقلين البحريين

في ختام هذه المقالة المتعمقة، يسرّ مكتب الدكتور مصطفى الروبي للمحاماة – المتخصص في القانون البحري – أن يقدم بعض النصائح العملية لكل من الشاحنين (أصحاب البضائع) والناقلين البحريين لتعزيز مراكزهم القانونية وتفادي النزاعات حول حدود المسؤولية وتعويضات الأضرار:

  • فهم حدود المسؤولية المتعاقد عليها: على الشاحنين التأكد من النظام القانوني الذي سيحكم نقل بضائعهم (القانون الوطني أم اتفاقية دولية كقواعد هامبورج) ومعرفة سقف التعويض البحري المتاح في حال الضرر. في المقابل، ينبغي للناقلين توضيح حدود مسؤوليتهم في وثائق الشحن والالتزام بعدم إدراج أي شروط مخالفة للنظام العام (لأنها ستكون باطلة كما رأينا).
  • التأمين كخط دفاع إضافي: حتى مع وجود حدود قانونية للتعويض، يوصى الشاحنون بشدة بالحصول على تأمين بحري يغطي قيمة بضائعهم كاملة، خاصةً إذا كانت القيمة تتجاوز الحدود أو إذا كانت الرحلة تنطوي على مخاطر عالية. التأمين يضمن التعويض عن أي خسارة تتجاوز مسؤولية الناقل المحدودة. وعلى الناقلين أيضًا تأمين سفنهم ومسؤولياتهم للحماية في حال وقوع حوادث جسيمة تتخطى حدود المسؤولية أو حالات الغش والإهمال الجسيم التي تلغي تلك الحدود.
  • التصريح بالقيمة وموازنة الكلفة والمنفعة: إذا كانت البضاعة ثمينة جدًا وفقدانها قد يُلحق خسائر فادحة بالشاحن، يجدر التفكير في التصريح بقيمتها في بوليصة الشحن ودفع الرسوم الإضافية المطلوبة. هذا الخيار يجب أن يُدرس بعناية (وربما باستشارة قانونية) لموازنة تكلفة التصريح/التأمين الإضافي مقابل مستوى الحماية المطلوب. أما الناقلون، فإن قبولهم نقل بضائع ذات قيمة مصرح بها يستوجب منهم عناية خاصة أثناء النقل لتفادي أي مطالبة بمبالغ طائلة خارج حد المسؤولية المعتاد.
  • الحرص في إعداد سندات الشحن واستلام البضائع: على الشاحن أن يهتم بأن يتم تحرير سند الشحن بدقة متضمنًا كل التحفظات اللازمة (كبيان حالة التغليف والبضاعة وعدد الطرود ووصفها الصحيح، واشتراطات خاصة كعدم الشحن على السطح إن لزم الأمر). فوجود التحفظات يحمي الشاحن في حالة النزاع ويوفر دليلًا على حالة البضاعة. وبالمثل، على المرسل إليه (المستلم) عند تسلم البضاعة في ميناء الوصول أن يفحصها فورًا وفي حالة وجود أي تلف ظاهر أو نقص يبادر بإخطار الناقل كتابيًا خلال المدة القانونية القصيرة جدًا (يومين في القانون المصري للتلف الظاهر). هذا الإخطار المبكر ضروري لقلب قرينة التسليم السليم وإثبات حقه في التعويض. الناقلون من جهتهم ينبغي أن يحفظوا سجلات التسليم ومحاضر المعاينة جيدًا، وأن يحصلوا على توقيع المستلم مع تدوين أي ملاحظات أو تحفظات، لتجنب مطالبات لاحقة مبالغ فيها أو غير صحيحة.
  • الالتزام بعناية الناقل البحري المعتاد: تنص كل القوانين البحرية على التزام الناقل ببذل العناية المعقولة للحفاظ على البضاعة (مثل توفير سفينة صالحة، والتخزين الملائم للبضائع، ومراعاة مواعيد الإبحار والوصول قدر الإمكان). إن الوفاء بهذا الالتزام لا يجنّب الناقل فقط وقوع أضرار تستدعي التعويض، بل يحميه قانونًا أيضًا؛ حيث يستطيع دفع المسؤولية عن نفسه إذا أثبت أنه اتخذ هو وتابعوه كافة التدابير المعقولة لمنع الضرر أو التأخير ولكن الضرر وقع رغمًا عن ذلك بسبب قوة قاهرة أو سبب خارج عن إرادته. لذا فإن الاستثمار في إجراءات السلامة والتدريب والصيانة هو استثمار في تفادي المسؤولية القانونية وتبعاتها.

في النهاية، يظل كل عقد نقل بحري حالة خاصة تستوجب الفحص. ننصح أطراف النقل البحري دومًا بالتعاون بشفافية منذ مرحلة التعاقد – كالإفصاح عن طبيعة البضاعة وقيمتها وظروفها الخاصة – وبالاستشارة القانونية عند إعداد العقود أو عند وقوع الحوادث البحرية. إن فهم حدود مسؤولية الناقل البحري والتصرف بموجب ذلك بوعي يمكن أن يوفر على الشاحن تكاليف جسيمة ويحمي الناقل من نزاعات قانونية طويلة ومكلفة. مكتب الدكتور مصطفى الروبي وفريقه على أتم الاستعداد لتقديم المشورة القانونية المتخصصة لكل من الشاحنين والناقلين لضمان حركة تجارة بحرية آمنة وعادلة، مستندين في ذلك إلى خبراتنا الواسعة وأحدث التطورات التشريعية والقضائية في قواعد هامبورج مصر والقانون البحري العالمي.