تُعد الشفافية المحاسبية من أهم ركائز الاقتصاد المشروع وتعتمد عليها الجهات الضريبية والرقابية في تقييم الأداء المالي والضريبي للمؤسسات. لكن أحيانًا تلجأ بعض الشركات أو الأفراد إلى التلاعب عمدًا في بياناتهم المحاسبية أو القيود الدفترية لتحقيق أهداف مثل التهرب من الضرائب أو إخفاء الأرباح الحقيقية أو تضليل المستثمرين. هذه التصرفات تُجرّمها القوانين المصرية بشكل صريح وتُصنَّف ضمن الجرائم الاقتصادية لما لها من أثر خطير على الثقة في النظام المالي والمحاسبي سواء في القطاع الخاص أو العام.
جريمة التلاعب في القيود المحاسبية تعني كل فعل عمدي يهدف لتحريف أو حذف أو تعديل بيانات أو إخفاء مستندات مالية بغرض التهرب الضريبي أو التضليل أو تحقيق مكاسب غير مشروعة، ويشمل ذلك التضخيم المتعمد للمصروفات، تقليل الإيرادات، إخفاء أو إتلاف المستندات الأصلية، إنشاء دفاتر مزدوجة، أو التلاعب في تقييم الأصول أو المخزون. حتى النية تلعب دورًا رئيسيًا، إذ يُشترط في المسؤولية الجنائية وجود القصد الجنائي أي علم الجاني بعدم صحة البيانات وسعيه المتعمد للإضرار. من الأمثلة العملية على الجريمة إثبات مشتريات وهمية، عدم تسجيل بعض المبيعات، تقديم دفاتر محاسبية مزيفة خلال الفحص الضريبي، أو التلاعب في تقييم المخزون والأصول.
وقد تناولت المحاكم الاقتصادية ونقضت في مصر العديد من القضايا وأصدرت أحكامًا قاطعة، مثل قضية إخفاء إحدى الشركات لنحو 40% من مبيعاتها الحقيقية من خلال دفاتر محاسبية غير رسمية وتقديم دفاتر مزيفة في الفحص الضريبي، حيث أُدينت الشركة واعتبرت المحكمة أن فحص المستندات والمقارنات الرقمية كاف لإثبات وقوع الجريمة. وأمرت المحكمة في حالات مشابهة بالسجن على المدير المالي وتغريم الشركة مع إلزامها بسداد الضرائب المستحقة والفوائد القانونية، وأكدت أن التلاعب المحاسبي هو جريمة تزوير اقتصادي مشترك وقد يرتبط بغسل الأموال أحيانًا.
أما عن العقوبات، فنصت القوانين المصرية بأن الجريمة قد تصل عقوبتها إلى غرامات تتراوح من 5 آلاف حتى 50 ألف جنيه والحبس من 6 أشهر حتى 5 سنوات طبقًا لقانون الضرائب، أو السجن من 3 إلى 5 سنوات وغرامة مساوية للضريبة المتهرب منها إذا ارتبطت الجريمة بقانون القيمة المضافة، أو الحبس حتى سنتين مع شطب قيد الشركة التجاري، وتتصاعد العقوبات لتصل للسجن من 7 إلى 15 سنة وغرامة لا تقل عن ضعف المال عند اقتران الجريمة بغسل الأموال. وتترتب على ذلك آثار قانونية وتجارية خطيرة مثل شطب السجل الضريبي، حرمان الشركة من دخول المناقصات والمزايدات العامة، فقدان ثقة المستثمرين والممولين، وتحمل المسؤولية التضامنية بين المدير المالي والممثل القانوني للشركة.
ولتلافي هذه المخاطر، يجب اتباع عدة إجراءات حماية عملية وقانونية مثل مراجعة الدفاتر دوريًا عبر محاسبين قانونيين معتمدين، ربط النظام المحاسبي بنظام الفواتير الإلكترونية، عدم السماح لأي موظف بإجراء قيد بدون رقابة مزدوجة، تدريب الموظفين على قوانين الضرائب وتجنب الممارسات الخاطئة، وإنشاء سياسات داخلية صارمة للتحقيق والكشف عن أي تلاعب مالي.
في النهاية، جريمة التلاعب في البيانات المحاسبية أو القيود الدفترية ليست مجرد مخالفة إدارية عادية بل جريمة اقتصادية تمس النظام الضريبي وثقة الدولة والمجتمع في القطاع الخاص. ولهذا أوجد المشرع المصري تشريعًا صارمًا وأوكل للمحاكم الاقتصادية مهمة محاسبة وردع المخالفين لحماية الاقتصاد الوطني وضمان عدالة التعاملات المالية.

https://www.facebook.com/photo.php?fbid=739093895378974&set=pb.100078351101370.-2207520000&type=3Facebook

