Visit us: 170 El-Horreya El-Ibrahimia Road, Bab Sharq, Alexandria

divinext
Contact Us

في ظل اقتصاد السوق الحر، تقوم فلسفة المنافسة العادلة على مبدأ أن الشركات تتنافس فيما بينها على أساس السعر والجودة والابتكار، لا على التواطؤ أو التنسيق السري. إلا أن بعض الشركات قد تلجأ إلى اتفاقات سرية مع منافسيها بغرض التحكم في الأسعار أو تثبيتها، وهي ممارسة تُعرف قانونًا بالاتفاقات الأفقية المحظورة، وتشكل واحدة من أخطر الجرائم الاقتصادية التي تهدد نزاهة السوق وتُلحق أضرارًا مباشرة بالمستهلك والاقتصاد الوطني.

القانون المصري واجه هذه الجريمة بشكل واضح وصريح من خلال قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية رقم 3 لسنة 2005، حيث حظرت المادة (6) من القانون صراحة أي اتفاق أو تنسيق بين المتنافسين في سوق معين، سواء تم هذا التنسيق بشكل مباشر أو غير مباشر، وسواء كان مكتوبًا أو ضمنيًا، على رفع أو خفض أو تثبيت الأسعار، أو حتى على تبادل المعلومات الحساسة التي قد تؤدي إلى مثل هذه النتيجة.

ويكفي لقيام الجريمة القانونية وجود تفاهم أو اتفاق بين شركتين أو أكثر تعملان في نفس السوق بهدف التأثير في الأسعار، حتى لو لم يتم تنفيذ هذا الاتفاق فعليًا. ويُعد ذلك خرقًا واضحًا لقواعد المنافسة ويؤدي إلى تعطيل دخول منافسين جدد للسوق، مما يعزز الممارسات الاحتكارية ويؤدي إلى رفع الأسعار بشكل مصطنع. الصور التي تأخذها هذه الاتفاقات متعددة، منها الاتفاق على حد أدنى للسعر، توحيد نسب الخصم، تقسيم السوق جغرافيًا أو حسب العملاء، أو الاتفاق المسبق على سعر العطاءات في المناقصات العامة والخاصة.

وقد أظهرت التطبيقات القضائية للمحاكم الاقتصادية مدى صرامة الدولة في مكافحة هذه الأفعال. ففي القضية الشهيرة الخاصة بشركات الأسمنت عام 2010، أُدينت سبع شركات كبرى بعدما ثبت اتفاقها على رفع أسعار الطن بشكل منسق وتبادل المعلومات التسويقية في اجتماعات غير رسمية. وقضت المحكمة بتغريم كل شركة 10 ملايين جنيه، واعتبرت أن تبادل المعلومات السعرية في حد ذاته قرينة كافية على وجود اتفاق ضمني.

وفي حكم آخر صادر عام 2018، قررت المحكمة الاقتصادية أن الاتفاقات السرية لا يشترط فيها وجود مستند أو عقد مكتوب، بل يكفي وجود قرائن قوية مثل التشابه غير المبرر في التسعير أو التواصل المتكرر بين مسؤولي التسعير في الشركات، لترتيب المسؤولية القانونية.

جهاز حماية المنافسة يضطلع بدور محوري في هذا الإطار، حيث يتمتع بسلطة الضبطية القضائية التي تتيح له جمع الأدلة ومراقبة السوق وتحليل البيانات السعرية والتفتيش المفاجئ، بل وتحريك الدعوى العمومية مباشرة أمام المحكمة الاقتصادية. ويُعتبر هذا الجهاز أداة تنفيذية فعالة في كبح جماح الممارسات الاحتكارية وتعزيز الشفافية.

العقوبات التي نص عليها القانون رادعة، حيث تتراوح الغرامة بين 30 ألف جنيه و500 مليون جنيه، أو مثلي الأرباح التي تحققت نتيجة المخالفة، وقد تصل العقوبة إلى منع الشركة من مزاولة النشاط لفترة زمنية معينة، بالإضافة إلى بطلان الاتفاقات والتعاقدات التي قامت على أساس غير قانوني. ومن الجدير بالذكر أن القانون أتاح منفذًا ذكيًا لتشجيع كشف هذه الجرائم، حيث منح إعفاءً من العقوبة لأول من يبادر بالإبلاغ عن الاتفاق وتقديم الأدلة اللازمة، وفقًا للمادة (26)، مما يخلق بيئة تنافسية أكثر انضباطًا ويعزز الثقة بين المستثمرين.

وللوقاية من الوقوع في هذه الجريمة، ينبغي على الشركات اتخاذ خطوات احترازية حاسمة، مثل الامتناع عن أي تواصل غير رسمي مع المنافسين حول الأسعار أو العملاء، وتجنب حضور الاجتماعات المشتركة غير الرسمية، ومراجعة جميع الاتفاقات التجارية والتسويقية بعناية، والتأكد من توافقها مع قواعد المنافسة، مع ضرورة الاستعانة بمحام متخصص في قوانين الشركات والمنافسة قبل الدخول في أي شراكات أو مشروعات استراتيجية.

إن مكافحة الاتفاقات السرية لرفع الأسعار ليست فقط مسألة قانونية، بل تمثل التزامًا أخلاقيًا واقتصاديًا يحفظ نزاهة السوق ويحمي مصالح المستهلك، ويعكس جدية الدولة في بناء بيئة استثمارية شفافة قائمة على التنافس العادل.

https://www.facebook.com/share/p/1FnuT9B2y7/?mibextid=oFDknk

فى انتظار آرائكم 🙂👇🏻
مؤسسة مصطفى الروبى للمحاماة والتحكيم الدولى

https://g.page/r/CZhOx7u_K9UkEBM/review



.