Visit us: 170 El-Horreya El-Ibrahimia Road, Bab Sharq, Alexandria

divinext
Contact Us

حقوق الشاحن ومسؤولية الناقل

مقدمة

يُعَد تلف البضائع في النقل البحري أو فقدها من أبرز المخاطر التي تواجه شركات الشحن والاستيراد والتصدير. فعقد النقل البحري يُلزم الناقل (مالك أو مستأجر السفينة) بتسليم البضائع في ميناء الوصول بنفس الحالة التي استلمها عليها في ميناء الشحن وعند حدوث هلاك البضاعة أو تلفها أثناء الرحلة البحرية تنشأ تساؤلات قانونية حول حقوق الشاحن (أو مالك البضاعة) ومسؤولية الناقل البحري عن الفقد. سنستعرض فيما يلي الإطار القانوني المصري وقواعد هامبورج المنظمة لهذه المسائل، مع بيان الحالات التي يُبطل فيها أي شرط لإعفاء الناقل من المسؤولية، والاستدلال بأحكام محكمة النقض المصرية والمحاكم الاقتصادية. كما سنبين قرينة الهلاك أو التلف عند غياب الإخطار القانوني في الموعد المحدد، وحدود التعويض القانونية عن التلف أو الفقد، مع استخدام مصطلحات قانونية دقيقة بصياغة واضحة. وفي الختام نقدم نصائح عملية لأصحاب البضائع والناقلين من واقع خبرة مكتب الدكتور مصطفى الروبي في القانون البحري.

أساس مسؤولية الناقل البحري عن تلف أو فقد البضائع

مسؤولية الناقل البحري عن سلامة البضاعة تبدأ منذ استلامه لها في ميناء الشحن وحتى تسليمها إلى صاحب الحق في ميناء التفريغ ويكون الناقل مسؤولًا تعاقديًا عن أي هلاك كلي للبضاعة أو تلف جزئي يصيبها خلال تلك الفترة. وقد أكد القضاء المصري هذا المبدأ، حيث قررت محكمة النقض أن الناقل البحري ملتزم بتسليم ما تسلمه على الحالة التي كانت عليها زمن الشحن وبموجب قواعد هامبورج (اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1978 يسأل الناقل بحكم القانون عن الخسارة الناتجة عن تلف أو فقد البضاعة، وكذلك عن التأخير في التسليم، ما لم يثبت أنه هو ومستخدموه اتخذوا جميع التدابير المعقولة لتفادي الضرر.

إثبات الخطأ أو سببه: الأصل في قضايا تلف البضاعة البحرية هو افتراض مسؤولية الناقل متى وقع الضرر أثناء عهدته، ولا يُعفى إلا بقدر ما يُثبت توفر سبب أجنبي لا يد له فيه من أهم أسباب الإعفاء القانونية أو المحدِّدة للمسؤولية في القانون المصري وقواعد هامبورج ما يلي ::

القوة القاهرة والظروف الخارجة عن الإرادة: إذا أثبت الناقل أن هلاك البضاعة أو تلفها كان بسبب أجنبي لا يد له فيه ولا لمن ينوب عنه أو تابعيه فإنه يُعفى من المسؤولية. يشمل ذلك الكوارث الطبيعية، وأخطار البحر غير المتوقعة، والحروب، وغيرها من الظروف القهرية. كما لا يسأل الناقل عن الضرر الناجم عن حريق شبّ على السفينة ما لم يثبت صاحب البضاعة أن الحريق نجم عن خطأ أو إهمال من جانب الناقل أو تابعيه.

العيب الذاتي في البضاعة: إذا كان التلف راجعًا إلى طبيعة خاصة في البضاعة نفسها (كأن تكون سريعة التلف بطبيعتها أو معيبة)، فقد ينتفي خطأ الناقل. كذلك سوء تغليف أو تعبئة البضاعة بواسطة الشاحن أو تعمد الشاحن ذكر بيانات غير صحيحة عن طبيعة البضائع أو قيمتها في سند الشحن يُعفي الناقل من المسؤولية عند الإثبات.

الشحن على سطح السفينة بموافقة الشاحن: إذا نُص في سند الشحن أن البضاعة مشحونة على سطح السفينة بطلب الشاحن أو موافقته، فإن الناقل لا يُسأل عما يصيبها من هلاك أو تلف ناشئ عن المخاطر الخاصة بهذا النوع من النقل وينسحب الأمر أيضًا على نقل الحيوانات الحية؛ فالناقل غير مسؤول عما يصيبها من نفوق أو ضرر إذا نشأ عن المخاطر الخاصة بطبيعتها، ما لم يثبت خطأ من الناقل أو تابعيه حيث نصت المادة 232 كالأتى :

 لا يسأل الناقل في حالة نقل الحيوانات الحية عن هلاكها أو ما يلحقها من ضرر إذا كان الهلاك أو الضرر ناشئاً عن المخاطر الخاصة بهذا النوع من النقل، وإذا نفذ الناقل تعليمات الشاحن بشأن نقل هذه الحيوانات افترض أن هلاكها أو ما أصابها من ضرر نشأ عن المخاطر الخاصة بهذا النوع من النقل حتى يثبت الشاحن وقوع خطأ من الناقل أو من نائبه أو من أحد تابعيه..

التأخير المشروع: يسأل الناقل عن التأخير في تسليم البضائع إلا إذا أثبت أن التأخير يرجع لسبب أجنبي خارج عن إرادته. التأخير يُحدد بمقارنة زمن التسليم الفعلي بالميعاد المتفق عليه صراحةً، أو بالوقت الذي يسلم فيه الناقل العادي ذات البضاعة في الظروف المماثلة إن لم يوجد اتفاق ويلاحظ أن القانون يقيم قرينة الهلاك الحكمي إذا تجاوز التأخير حدًا معينًا كما سيأتي شرحه أدناه.

باختصار، المسؤولية الأساسية للناقل البحري عقدية ومفترضة لحماية الشاحن. ولا ينجو الناقل من هذه المسؤولية إلا بإثبات أحد الأسباب المشروعة قانونًا لانعدام خطئه وفي غير ذلك يكون ملتزمًا بتعويض صاحب البضاعة عن ضرر التلف أو الهلاك الذي أصاب بضاعته أثناء النقل البحري.

بطلان شروط الإعفاء من المسؤولية في عقد النقل البحري

يحاول بعض الناقلين تضمين عقود النقل أو سندات الشحن البحرية شروطًا تعفيهم من المسؤولية عن تلف البضاعة أو فقدها، أو تحد من نطاق هذه المسؤولية بشكل غير مشروع. إلا أن القانون البحري المصري وقواعد هامبورج يقفان بالمرصاد لمثل هذه الشروط. فقد نص المشرع صراحة على بطلان أي اتفاق يُبرم قبل وقوع الحادث ويكون موضوعه إعفاء الناقل من المسؤولية عن هلاك البضاعة أو تلفها، أو تعديل عبء الإثبات القانوني على غير وجهه، أو تخفيض حدود المسؤولية القانونية تعتبر هذه الأحكام من النظام العام، بحيث يقع باطلًا بطلانًا مطلقًا كل شرط تعاقدي يخالفها.

وأكدت محكمة النقض المصرية هذا المبدأ عند تطبيقها لقواعد هامبورج. فقد قضت بأن مؤدى المادتين 5 و23 من اتفاقية هامبورج لعام 1978 هو بطلان كل شرط يرد في عقد النقل البحري أو سند الشحن أو أية وثيقة أخرى يُثبت بها عقد النقل، يقضي باستبعاد تطبيق الاتفاقية أو إعفاء الناقل من المسؤولية عن خسارة ناتجة عن هلاك البضائع أو تلفها أو التأخير في التسليم؛ وذلك بطلانًا مطلقًا متعلقًا بالنظام العام

. بمعنى أنه لا يجوز الاتفاق على ما يخالف أحكام مسؤولية الناقل المنصوص عليها في القانون أو الاتفاقية الدولية المطبقة، وأي محاولة لفرض شرط يعفي الناقل من التزاماته القانونية تعتبر لاغية ولا أثر لها.

مثال توضيحي: في إحدى القضايا حاول الناقل الدفع بشرط وارد في سند الشحن يُعفيه من أي أضرار ناشئة عن التأخير في التسليم. غير أن محكمة النقض رفضت هذا الدفع لأن سند الشحن محل النزاع يخضع لاتفاقية هامبورج التي أصبحت لها قوة القانون في مصر، والتي تحظر إعفاء الناقل من مسؤولية التأخير ، وقد قررت المحكمة أن البند العقدي المتضمن عدم مسؤولية الناقل عن التأخير يُعد باطلًا لمخالفته قواعد الاتفاقية ، خاصة وأن ميناء الوصول المتفق عليه (الإسكندرية) يقع في دولة متعاقدة (مصر) مما يفرض تطبيق قواعد هامبورج على العقد. وبالتالي تم استبعاد شرط الإعفاء واعتُبر الناقل مسؤولًا وفق القواعد الآمرة.

الجدير بالذكر أن القانون يجيز فقط ترتيبات تزيد من مسؤولية الناقل أو تمنحه مزايا إضافية للشاحن، ولا يجيز أي اتفاق مسبق ينقص من حقوق الشاحن القانونية. فمثلًا، للناقل أن يتنازل طوعًا عن بعض دفوعه أو أن يرفع حدود مسؤوليته بشرط إثبات ذلك صراحةً في سند الشحن. كذلك يمكن في ظروف استثنائية الاتفاق على شروط خاصة إذا لم يُصدر سند شحن وكانت ضرورة النقل تبرر ذلك، بشرط ألا يؤدي الاتفاق إلى إعفاء الناقل من المسؤولية عن خطئه وألا يخالف النظام العام لكن هذه الحالات محدودة جدًا في التطبيق العملي.

خلاصة: أي شرط تعاقدي يعفي الناقل البحري من المسؤولية أو يخففها بخلاف القانون يعد باطلًا وغير قابل للتنفيذ ، وعلى أصحاب البضائع أن يطمئنوا أن حقوقهم الأساسية محمية بنصوص آمرة، فلا يمكن للناقل التملص منها بوضع بنود مطبوعة أو شروط تعسفية في سندات الشحن.

تطبيق قواعد هامبورج في القانون المصري – أمثلة من أحكام القضاء

انضمت مصر إلى اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحري للبضائع لعام 1978 (قواعد هامبورج) بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 104 لسنة 1979، وتم نشرها بالجريدة الرسمية عام 1991، لتدخل حيز النفاذ في مصر ابتداءً من 1 نوفمبر 1992. ومنذ ذلك التاريخ تعامل نصوص هذه الاتفاقية في مصر معاملة القانون، وتُطبَّق وحدها على عقود نقل البضائع بحرًا متى انطبقت شروط انطباقها وبعبارة أخرى، تحل قواعد هامبورج محل أحكام قانون التجارة البحرية المصري رقم 8 لسنة 1990 في كل ما تناولته من مسائل نقل البضائع ،شريطة أن تكون الرحلة البحرية دولية وتنطبق عليها معايير الاتفاقية (مثل أن يكون ميناء الشحن أو التفريغ في دولة متعاقدة).

حكم محكمة النقض (الطعن رقم 18493 لسنة 83 ق تجاري): من الأمثلة الحديثة المهمة تطبيقًا لذلك، حكم صدر عن الدائرة التجارية والاقتصادية بمحكمة النقض في فبراير 2021 ، تعلق النزاع بشحنة بضائع تم نقلها بحرًا من ميناء كلكتا بالهند إلى ميناء الإسكندرية بمصر. وصلت البضاعة متأخرة عن الموعد المتفق عليه، وتبين حصول تلف لها (تضرر البضاعة وتحجرها) وفق تقرير معاينة شركة التأمين،  دفع الناقل (شركة الملاحة) بعدم مسؤوليته استنادًا إلى شرط في سند الشحن يعفيه من أي أضرار ناشئة عن التأخير في التسليم إلا أن محكمة النقض رسخت عدة مبادئ هامة في قضيتها، نستخلص منها ما يلي:

  • سريان قواعد هامبورج كقانون واجب التطبيق: وجدت المحكمة أن واقعة الدعوى تخضع لاتفاقية هامبورج، كون ميناء التفريغ (الإسكندرية) يقع في دولة متعاقدة. وبناءً عليه تُطبَّق أحكام الاتفاقية وحدها على عقد النقل، مما أدى إلى استبعاد أحكام قانون التجارة البحرية المحلي في هذا النزاع.
  • بطلان شروط الإعفاء المخالفة للاتفاقية: أكدت المحكمة بطلان الشرط المطبوع في سند الشحن الذي يُعفي الناقل من مسؤولية التأخير، لمخالفته نصوص الاتفاقية الآمرة. قضت بأنه لا يجوز للناقل التحدي بهذا الشرط نظرًا لبطلانه المتعلق بالنظام العام، وبالتالي ظل الناقل مسؤولًا عن التأخير رغم وجود الشرط.
  • وجوب مراعاة إجراءات الإخطار وتوثيق الحالة: شددت المحكمة على أهمية أن يتحقق قاضي الموضوع مما إذا كان سند الشحن تضمن بيان حالة البضاعة (مثلاً كونها سائلة أم صلبة) وقت الشحن ،وما إذا كان المرسل إليه قد بادر إلى إخطار الناقل كتابيًا بحصول التلف في البضاعة في الموعد القانوني المحدد في الاتفاقية أم لا، فإذا كان التلف غير ظاهر ولم يُخطر المرسلُ الناقلَ خلال 15 يومًا من الاستلام، تقوم قرينة قانونية على أن الناقل سلم البضاعة بحالتها السليمة وفق الوصف المدون بسند الشحن، وينتقل عبء إثبات أن التلف وقع خلال الرحلة البحرية إلى عاتق صاحب البضاعة المتضرر هذه القاعدة مستمدة من المادة 19 من قواعد هامبورج والقانون المصري ،وسنوضحها أكثر في القسم التالي.
  • تحديد مقدار الضرر الفعلي: أخذت المحكمة على محكمة الاستئناف أنها قضت بالتعويض عن كامل قيمة البضاعة التالفة دون أن تستجل ما آل إليه حال تلك البضاعة المتضررة وما إذا كان المرسل إليه لا يزال يحوزها ويستطيع الانتفاع بجزء منها. فقد تبين مثلاً من أوراق القضية أن البضاعة (التي أصبحت متحجرة) كان يمكن طحنها وبيعها كمرتجع من الدرجة الثانية لقاء مبلغ ما (نحو 5,580 دولار) مما يعني أن الضرر ليس كاملًا. وعليه رأت محكمة النقض وجوب خصم قيمة أي عوائد أو استخدام ممكن للبضاعة التالفة عند تقدير التعويض، لأن التعويض في النهاية لجبر الضرر الفعلي فقط. وأدى إخلال محكمة الدرجة الأولى بتلك النقاط إلى نقض حكمها للقصور في التسبيب.

هذا الحكم محل التعليق يبرز مدى حرص القضاء على تطبيق قواعد هامبورج في مصر بشكل دقيق وصارم، وضمان عدم إفلات الناقلين من المسؤولية بموجب شروط مخالفة للنظام العام. كما يبين أهمية الإجراءات العملية (كالإخطار والمعاينة) في رسم ملامح دعوى تعويض عن هلاك البضاعة أو تلفها. وبشكل عام، تتوالى أحكام المحاكم الاقتصادية في نفس الاتجاه، حيث تلتزم المحاكم الابتدائية والاستئنافية الاقتصادية بالمبادئ التي ترسيها محكمة النقض في قضايا الشحن البحري، خاصة فيما يتعلق بضرورة الإخطار في المواعيد القانونية وبطلان شروط الإعفاء وتطبيق حدود المسؤولية الدولية.

قرينة التلف أو الهلاك عند عدم الإخطار القانوني

يضع القانون على عاتق صاحب البضاعة (المرسل إليه غالبًا) واجب المبادرة بالإخطار عن التلف أو الفقد خلال مهل محددة، وإلا افترض القانون أن البضاعة سُلِّمت بحالة سليمة، وتقوم بذلك قرينة لمصلحة الناقل يتعيّن على صاحب البضاعة دحضها. وتنص المادة 239 من قانون التجارة البحرية المصري على أنه في حالة هلاك البضاعة أو تلفها يجب على من يتسلمها أن يخطر الناقل كتابةً بحصول الهلاك أو التلف خلال مدة لا تجاوز يومي العمل التاليين ليوم تسليم البضاعة، وإلا افترض أنها سلمت وفق الحالة المبينة في سند الشحن ما لم يثبت العكس . أما إذا كان الهلاك أو التلف غير ظاهر وقت التسليم، فيجوز إرسال الإخطار خلال خمسة عشر يومًا تاليّة ليوم التسليم وهذه المواعيد متوافقة مع ما أوجبته قواعد هامبورج التي منحت 15 يومًا للإخطار بالضرر الكامن بعد التسليم.

الإخطار الكتابي وأهميته: ينبغي أن يكون الإخطار كتابيًا وموجهًا من المرسل إليه إلى الناقل، يوضح فيه بشكل عام طبيعة الضرر أو الفقد الذي لحق بالبضاعة عدم توجيه الإخطار في المهلة القانونية لا يسقط حق المطالبة قضائيًا تلقائيًا، ولكنه يجعل مهمة إثبات أن التلف أو النقص كان موجودًا وقت التسليم أكثر صعوبة على الشاحن. حيث تقوم قرينة قانونية لصالح الناقل بأنه أدى التزامه وسلم البضاعة سليمة كما وُصفت في سند الشحن في هذه الحالة ينقلب عبء الإثبات؛ فيُلزم صاحب البضاعة المدعي بإثبات أن الضرر وقع أثناء وجود البضاعة في عهدة الناقل وقبل تمام التسليم وهذا عبء ثقيل قد يصعب تلبيته إذا غاب الدليل الفني أو المعاينة الرسمية في حينها.

حالات تنتفي فيها الحاجة للإخطار: إذا جرى فحص البضاعة وقت التسليم بحضور الناقل أو نائبه والمرسل إليه، وثُبتت حالتها في محضر معاينة مشترك، فلا ضرورة للإخطار الكتابي المنفصل. ففي هذه الحالة يُعتبر الناقل عالمًا بحالة البضاعة وقت التسليم، وتسقط القرينة المقابلة. لذا من المفيد عمليًا طلب معاينة مشتركة عند التسليم إذا ظهرت تلفيات جسيمة على الفور، لتوثيقها رسميًا.

قرينة الهلاك الحكمي (التأخير الطويل): على الجانب الآخر، عالج القانون فرضية عدم وصول البضاعة إطلاقًا في الميعاد. فإذا لم تسلَّم البضاعة على الإطلاق خلال 60 يومًا تلي الميعاد المتفق عليه للتسليم (أو الوقت الذي يُعتبر معقولًا للتسليم عند عدم الاتفاق)، عندها تعتبر البضاعة هالكة حكمًا بحكم القانون ،هذه قرينة هلاك لصالح صاحب البضاعة، تمكّنه من التعامل مع البضاعة على أنها مفقودة والمطالبة بالتعويض على هذا الأساس حتى لو ظهرت لاحقًا. وقد نصت قواعد هامبورج على نفس المبدأ، حيث أجازت للدائن باعتبار البضاعة هالكة بعد مرور 60 يومًا متصلة على انقضاء ميعاد التسليم دون استلامها.

باختصار: على أصحاب البضائع الالتزام الصارم بمسألة الإخطار عن أي تلف أو نقص فور اكتشافه، حفاظًا على حقوقهم. فإخطار الناقل خلال المواعيد القانونية يحفظ حق المطالبة بالتعويض دون انعكاس عبء الإثبات. أما التقاعس عن الإخطار في الوقت المناسب فيؤدي إلى قرينة لمصلحة الناقل قد تصعب جدًا مهمة إثبات دعوى تعويض عن تلف البضاعة أمام المحكمة.

حدود التعويض القانوني عن التلف أو الفقد

حددت التشريعات البحرية حدودًا قصوى لمسؤولية الناقل الماليّة عن البضاعة، تهدف إلى تحقيق توازن بين مصالح الشاحن والناقل. هذه الحدود تُقيّد مبلغ التعويض الذي يمكن المطالبة به عن تلف أو هلاك البضاعة، إلا إذا اتخذ الشاحن إجراءات استثنائية لزيادة هذه الحدود أو إذا ثبتت حالة خاصة ترفع القيد القانوني.

  • حدود المسؤولية وفق القانون المصري: ينص قانون التجارة البحرية المصري على سقف للتعويض مقداره 2000 جنيه مصري عن كل طرد أو وحدة شحن، أو 6 جنيهات عن كل كيلو جرام من الوزن الإجمالي للبضاعة التي هلكت أو تلفت، أي المبلغين أعلى. وهذا يعني أنه إذا كانت قيمة الضرر تفوق هذا الحد بحسب عدد الطرود أو وزن البضاعة، يقتصر حق التعويض على الحد الأقصى. كما وضع القانون قواعد للتطبيق: فلو جُمعت عدة طرود في حاوية وذُكر عددها في سند الشحن، يُعتبر كل منها طردًا مستقلاً لأغراض الحد الأقصى؛ أما إذا لم تكن الحاوية مملوكة للناقل وتضررت هي ذاتها فتعد طردًا مستقلاً أيضًا. هذه الأرقام (2000 جنيه/6 جنيه للكيلوجرام) وضعت عام 1990 وقد تبدو متدنية بقيمة اليوم، لكنها تظل نافذة قانونًا على النقل الذي لا تنطبق عليه معاهدة دولية أعلى.
  • حدود المسؤولية وفق قواعد هامبورج: جاءت اتفاقية هامبورج برفع الحد الأقصى وتعويضه بوحدة حسابية دولية هي حقوق السحب الخاصة (SDR) بدلًا من العملات المحلية المتغيرة ،فقَد حدّدت الاتفاقية مسؤولية الناقل عن خسارة أو damage البضاعة بمبلغ يعادل 835 وحدة حسابية (SDR) عن كل طرد أو وحدة شحن أخرى أو 2.5 وحدة حسابية عن كل كيلوغرام من الوزن القائم للبضاعة المفقودة أو المتلفة – أيهما أعلى (حقوق السحب الخاصة هي وحدة حسابية تحددها وتقيمها صندوق النقد الدولي وتُراجع قيمتها بانتظام). أما عن التأخير في التسليم، فقد قيدت قواعد هامبورج تعويضه بحد أقصى يعادل 2.5 ضعف أجرة النقل المستحقة عن البضاعة المتأخرة، وبشرط عدم تجاوز ذلك مجموع أجرة النقل كاملة ،ويلاحظ أن هذه الحدود الدولية أعلى نسبيًا من الحدود المحلية المصرية القديمة، مما يوفر حماية أفضل للشاحنين في نطاق المعاملات الدولية الخاضعة لهامبورج.
  • الإعلان عن قيمة البضاعة لرفع الحد: يستطيع الشاحن تجنب سقف التعويض المحدود بإحدى وسيلتين أساسيتين: إعلان القيمة الحقيقية للبضاعة في سند الشحن، أو الاتفاق مع الناقل على حد أعلى خاص. فقد نص القانون المصري على أنه إذا قدم الشاحن بيانًا قبل الشحن عن طبيعة البضاعة وقيمتها وأُدرج هذا البيان في سند الشحن، فلا يجوز للناقل التمسك بالحد القانوني للتعويض. في هذه الحالة يكون التعويض على أساس القيمة المصرح بها (ما لم يثبت الناقل تلاعبًا في صحة القيمة). وقد أكدت محكمة النقض هذا المبدأ حتى في ظل معاهدة بروكسل القديمة (قواعد لاهاي)، إذ قضت بأن تقدير التعويض يتم على القيمة الفعلية للبضاعة دون التقيد بالحد الأقصى متى كان الشاحن قد دوَّن جنس البضاعة وقيمتها في سند الشحن، أما إدراج القيمة في فاتورة أو ورقة خارجية لا يغني عن النص عليها في السند. بالتالي، ينصح الشاحنون عند شحن بضائع عالية القيمة بالتصريح عنها وتدوين قيمتها في بوليصة الشحن لضمان إمكانية المطالبة بكامل قيمتها في حال هلاكها.
  • سقوط الحق في تحديد المسؤولية (الحالة الاستثنائية): لا يستفيد الناقل من التحديد القانوني للمسؤولية في كل الأحوال. فإذا ثبت أن الضرر (هلاكًا أو تلفًا أو تأخيرًا) نشأ عن فعل أو امتناع من جانب الناقل بقصد إحداث الضرر، أو عن رعونة واستهتار مصحوبين بإدراك أن ضررًا يمكن أن يحدث، فإن الناقل يفقد حقه في التمسك بحدود المسؤولية،هذا ما يسمى أحيانًا بخطأ الناقل الجسيم أو العمدي (الخطأ المعادل للعمد). وكذلك الحال بالنسبة لتابعي الناقل؛ فخادم الناقل أو وكيله لا يتمتع بحدود المسؤولية إذا ارتكب فعلًا أو تركًا متعمدًا أو مستهترًا ترتب عليه الضرر. وهذه الأحكام متطابقة في القانون المصري (مادة 241) وفي قواعد هامبورج (مادة 8). بالتالي، في حالات الغش أو العمد أو الإهمال الجسيم، يُسأل الناقل تعويضًا كاملاً عن الضرر دون أي سقف، فيُلزم بتغطية الخسارة كاملةً.

إجمالًا، نظام التعويض في قضايا تلف أو هلاك البضائع البحرية مصمم لإعادة المتضرر إلى الوضع الذي كان عليه لو لم يقع الضرر، ولكن ضمن حدود معقولة تكفل استمرارية صناعة النقل البحري نفسها. فحدود المسؤولية تحمي الناقلين من مطالبات باهظة غير متناسبة مع أجرة النقل المدفوعة، وفي المقابل يستطيع الشاحن التحوّط بالتصريح عن القيمة أو التأمين على البضاعة لتغطية أي عجز في التعويض. وفي جميع الأحوال، يبقى الناقل مسؤولًا عن القيمة الفعلية للضرر في حدود تلك السقوف، إلا إذا أسقط حقه فيها بخطئه الجسيم.

نصائح ختامية لأصحاب البضائع والناقلين من مكتب الدكتور مصطفى الروبي

ختامًا، نقدم فيما يلي نصائح عملية من واقع الخبرة القانونية في مكتب الدكتور مصطفى الروبي لضمان حماية حقوق جميع الأطراف في عقد النقل البحري وتفادي النزاعات قدر الإمكان:

للشاحنين وأصحاب البضائع:

  • التدقيق في سند الشحن البحري: تأكد من أن سند الشحن يتضمن وصفًا دقيقًا للبضاعة وحالتها (مثل عدد الطرود، الوزن، طبيعة البضاعة: سائلة أم صلبة، قابلة للكسر… إلخ). إذا كانت بضاعتك ثمينة بشكل استثنائي، فمن الأفضل التصريح بقيمتها في سند الشحن على نحو صريح، حتى لا تنطبق حدود المسؤولية الافتراضية ويتم رفع سقف التعويض ليعادل القيمة المصرح بها.
  • التأمين على البضائع: على الرغم من مسؤولية الناقل المفترضة، يوصى دائمًا بالحصول على تأمين بحري على البضاعة يغطي أخطار التلف أو الفقد. التأمين يُعوِّض المالك مباشرةً بقيمة الضرر الكامل (وفق الوثيقة) دون التقيد بحدود تعويض الناقل. ثم تنتقل شركة التأمين بدورها لمطالبة الناقل (حلولًا) ضمن الحدود القانونية. هذا يضمن استقرار أعمال شركتك وعدم تحملها خسارة فادحة إذا وقع مكروه للشحنة.
  • المعاينة عند التسليم والإخطار الفوري: عند وصول الشحنة، قم بفحصها فورًا بحضور ممثل الناقل إن أمكن. أي تلف ظاهر يجب توثيقه مباشرةً في محضر استلام أو تقرير معاينة مشتركة. وفي جميع الأحوال، سارع إلى إخطار الناقل كتابيًا خلال المدة القانونية (يومي عمل للتلف الظاهر، 15 يومًا للتلف الخفي) مع ذكر نوع الضرر بصورة عامة. احتفظ بنسخة من الإخطار المرسل وإيصال ما يفيد استلام الناقل له (مثلاً تأكيد عبر البريد الإلكتروني أو الفاكس أو مكتب البريد). هذا الإخطار المكتوب يحفظ حقك ويمنع الناقل من التذرع بالقرينة ضدك[
  • الاحتفاظ بالأدلة والمستندات: احتفظ بجميع المستندات المتعلقة بالشحنة (سند الشحن، الفواتير، شهادات المنشأ، بوليصة التأمين…إلخ). وعند حدوث تلف، التقط صورًا للبضاعة وهي في حالة الضرر، واطلب تقريرًا فنيًا مستقلًا إذا لزم الأمر. هذه الأدلة ستكون حاسمة إذا اضطررت لرفع دعوى تعويض عن هلاك البضاعة أو تلفها لإثبات وقوع الضرر وتقدير قيمته.
  • الالتزام بالآجال القانونية للتقاضي: إضافةً للإخطار، تذكر أن هناك مواعيد للتقاضي؛ بموجب قواعد هامبورج والقانون المصري تتقادم دعاوى مسؤولية الناقل البحري خلال سنتين من تاريخ التسليم أو المفترض للتسليم[54]. لذا لا تؤخر اتخاذ الإجراءات القانونية طويلاً. استشر محاميًا مختصًا في القانون البحري في مصر فور وقوع الضرر لضمان اتخاذ الخطوات اللازمة ضمن المواعيد المحددة.

لشركات النقل البحري (الناقلين):

الامتثال للقانون والعقود الشفافة: احرص على أن تكون عقود النقل وسندات الشحن المستخدمة متوافقة مع القانون المصري وقواعد هامبورج. تجنب إدراج أي شرط ينافي تلك الأحكام، مثل شروط الإعفاء الشامل من المسؤولية، لأنها عديمة الأثر القانوني وقد تضر بموقفك أمام المحاكم. بدلاً من ذلك، ركز على الشروط المشروعة (مثل تحديد الاختصاص القضائي أو التحكيم أو تنظيم إجراءات المطالبة) لتجنب نزاعات إضافية.

العناية بالبضاعة والناقلة (Due Diligence): قم باتخاذ جميع الاحتياطات المعقولة لضمان سلامة البضاعة أثناء الرحلة. يشمل ذلك التأكد من صلاحية السفينة للإبحار وشحن البضائع (تكيف العنابر، التجفيف إن لزم، التهوية، الرص السليم)، والتأكد من تثبيت البضائع بطريقة صحيحة. فإذا وقع حادث، تستطيع الدفاع بإثبات أنك اتخذت التدابير المعقولة لتفادي الضرر مما قد يعفيك من المسؤولية أو يخففها.

التحفظ على حالة البضاعة عند الشحن: في حال استلامك بضائع ظاهرة العيب أو غير كافية التغليف، وثّق ذلك في سند الشحن عبر تدوين تحفظات (Clauses) واضحة على حالة الاستلام. هذا يفيدك في دفع أي مسؤولية عن تلف كان موجودًا أصلاً أو نتج عن تعبئة سيئة من الشاحن. مثل هذه التحفظات تحميك من الادعاءات غير الصحيحة بأن التلف حدث أثناء النقل.

الالتزام بمواعيد التسليم: تأخير غير مبرر قد يفتح عليك باب المسؤولية عن التأخير وربما اعتباره هلاكًا حكميًا للبضاعة إذا تجاوز 60 يومًا بعد موعد التسليم. لذلك التزم قدر الإمكان بالجداول الزمنية المتفق عليها، وأبلغ الشاحنين فورًا عن أي حدث قد يؤدي إلى تأخير طويل لتدارك الموقف. في حال اضطررت لتفريغ البضائع في ميناء آخر أو واجهت ظرفًا قاهرًا، نسّق مع أصحاب البضاعة لضمان تقليل الأضرار.

التأمين والمسؤولية المالية: على الرغم من حدود التعويض القانونية، قد تتعرض لمطالبة عالية خاصةً عند فقدان شحنات ثمينة أو عند سقوط حقك في تحديد المسؤولية بسبب خطأ جسيم. لذا يُنصح بأن تؤمّن على مسؤوليتك تجاه الغير (عبر نوادي الحماية والتعويض P&I أو شركات التأمين) لضمان القدرة على سداد التعويضات المحكوم بها ضمن حدود التغطية المتفق عليها. وجود تأمين لا يعفيك من المسؤولية ولكنه يحميك ماليًا ويظهر لعملائك حسن النية والاستعداد للمخاطر.

التعاون في إجراءات المعاينة وتسوية المطالبات: إذا وصلتك شكوى أو إخطار من المرسل إليه بشأن تلف أو عجز، فكن متعاونًا. اشترك في معاينة مشتركة للبضاعة المتضررة إذا أمكن، واطلب تقرير الخبير. التعاون قد يتيح حل النزاع وديًا عبر تسوية مناسبة (كتعويض جزئي سريع) دون تصعيد الأمر إلى القضاء، مما يوفر الوقت والنفقات ويحافظ على العلاقات التجارية.

في الختام، سواء كنت شاحنًا أو ناقلًا، فإن الإلمام بحقوقك والتزاماتك القانونية هو خط الدفاع الأول في مجال الشحن البحري. نحرص في مكتب الدكتور مصطفى الروبي للمحاماة على متابعة آخر التطورات التشريعية وأحكام القضاء في القانون البحري المصري ومساندة عملائنا من شركات الملاحة والاستيراد والتصدير في حماية مصالحهم. تذكّر دائمًا أن الوقاية خير من التقاضي؛ باتباع الإرشادات أعلاه والتصرف بمسؤولية وشفافية، يمكنك تقليل احتمالات النزاع وضمان شحن بحري آمن وعادل لكل الأطراف. نسعد بالإجابة على أي استفسارات إضافية وتقديم المشورة المتخصصة لكل حالة على حدة.