استرداد الجنسية المصرية يُمثل وسيلة قانونية تتيح إعادة ارتباط الفرد بجنسيته الأصلية بعد أن يكون قد فقدها نتيجة اكتساب جنسية أجنبية بالتجنس، أو بسبب الزواج من غير مصري. ويخضع هذا النظام لأحكام قانون الجنسية رقم 26 لسنة 1975 وتعديلاته، حيث وضع المشرع ضوابط واضحة تحكم عودة الجنسية لمن فقدها، بما يضمن التوازن بين المصلحة العامة للدولة والحق الشخصي للفرد في الانتماء لوطنه.
تأتي أهمية هذا الموضوع من ارتباطه المباشر بأوضاع المصريين المقيمين في الخارج، أو المتزوجين من أجانب، ممن يرغبون في استعادة كامل حقوقهم المدنية والسياسية داخل مصر، بما في ذلك حق التملك والمشاركة في الحياة العامة. عملية الاسترداد لا تتم تلقائياً، بل تتطلب التقدم بإجراءات رسمية أمام وزارة الداخلية، وإرفاق مستندات تثبت واقعة فقد الجنسية والالتحاق بجنسية أجنبية. كما أن قرار الاسترداد يخضع لسلطة تقديرية للجهات الإدارية، ويستغرق عادة فترة زمنية محددة قبل البت فيه.
المقال يعرض الإطار التشريعي الناظم لهذه الآلية، ويشرح بالتفصيل خطوات وإجراءات التقديم، إلى جانب عرض التطبيقات القضائية التي تناولت حالات الاسترداد. كما يناقش التحديات العملية التي يواجهها الأفراد في هذا السياق، مثل طول فترة الإجراءات أو صعوبة إثبات المستندات، ويقترح حلولاً عملية لتبسيط المسار وضمان سرعة البت في الطلبات.
أولاً: الأساس القانوني لاسترداد الجنسية:
استرداد الجنسية المصرية أصبح ملفاً مهماً يخص المصريين في الخارج والمتزوجين بأجانب ممن فقدوا جنسيتهم ويرغبون في استعادتها لممارسة حقوقهم داخل الوطن. ينظمه القانون رقم 26 لسنة 1975 وتعديلاته، حيث وضع شروطاً وإجراءات واضحة، لكنه ترك القرار النهائي للسلطة المختصة. وتبرز أهميته في كونه لا يقتصر على أوراق وإجراءات، بل يتعلق بحقوق سياسية ومدنية واقتصادية، ويطرح تساؤلات حول العقبات التي تواجه المتقدمين والحلول الممكنة لتبسيط المسار.
وبالنظر إلى الشق القانوني لاسترداد الجنسية، نجد أن القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية وما لحقه من تعديلات قد نظم هذا الموضوع في مادته رقم 18:
“يجوز بقرار من وزير الداخلية رد الجنسية المصرية إلى من سحبت منه أو أسقطت عنه بعد مضى خمس سنوات من تاريخ السحب أو الإسقاط، ويجوز الرد قبل ذلك بقرار من رئيس الجمهورية. ومع ذلك يجوز بقرار من وزير الداخلية سحب قرار السحب أو الإسقاط إذا كان قد بنى على غش أو خطأ.كما يجوز بقرار من وزير الداخلية ردها إلى من فقدها باكتسابه جنسية أجنبية بعد الإذن له فى ذلك.وفى جميع الأحوال لوزير الداخلية رد الجنسية المصرية إلى من سحبت منه وأسقطت عنه أو فقدها قبل العمل بأحكام هذا القانون، وذلك دون التقيد بالمدة المشار اليها فى الفقرة الأولى من هذه المادة”
وحيث منح المشرع الحق في طلب استرداد الجنسية لمن فقدها في حالات معينة، وعلى رأسها من فقدها بسبب التجنس بجنسية أجنبية أو بسبب الزواج من أجنبي. كما ألزم القانون المتقدم بطلب الاسترداد باتباع إجراءات محددة وتقديم مستندات تثبت واقعة الفقد، على أن يُعرض الطلب على وزير الداخلية الذي يملك سلطة البت فيه بقرار يصدر وينشر في الجريدة الرسمية.
ويكشف نص المادة عن أمرين أساسيين: الأول أن الاسترداد ليس حقاً مطلقاً وإنما يخضع لتقدير السلطة المختصة تحقيقاً للمصلحة العامة، والثاني أن المشرع رسم إطاراً زمنياً وإجرائياً يضمن جدية الطلبات ويمنع إساءة استعمال هذه الرخصة القانونية.
يشترط القانون أن يُثبت طالب استرداد الجنسية دخوله فعليًا في الجنسية الأجنبية، وأن يمر سنة واحدة على الأقل من تاريخ حصوله على تلك الجنسية أو من تاريخ صدور قرار التنازل قبل تقديم الطلب. كما يتوجب نشر قرار الرد في الجريدة الرسمية، ويُعتبر المستفيد مزدوج الجنسية يُعامل في مصر كمصري.
واذا نظرنا الي نص القانون نجد ان المادة 13 من القانون سالف الذكر قد تناول احد اسباب فقد الجنسية وهي المصرية التي تفقد جنسيتها نتيجة زواجها من اجنبي:
“يجوز للمصرية التى فقدت جنسيتها طبقا للفقرة الأولى من المادة 11 وللفقرة الأولى من المادة 12 أن تسترد الجنسية المصرية إذا طلبت ذلك ووافق وزير الداخلية.”
هذه المادة جاءت لحماية المرأة المصرية من فقدان صلتها بوطنها بصورة نهائية نتيجة الزواج من أجنبي، إذ أتاح لها المشرع الحق في استرداد جنسيتها المصرية إذا كانت قد فقدتها تبعاً لزوجها. غير أن القانون اشترط تقديم طلب مستقل من الزوجة لإثبات رغبتها الجادة في العودة إلى جنسيتها الأصلية، وهو ما يعكس توجه المشرع نحو احترام إرادة المرأة ومنحها حرية الاختيار بين الاحتفاظ بالجنسية الأجنبية أو استعادة جنسيتها المصرية، بما يضمن استمرار الرابطة القانونية والإنسانية بينها وبين وطنها.
كما انه بحسب المادة 18، فإذا فقد الشخص الجنسية المصرية نتيجة سحب أو إسقاط أو فقدان بدون إذن، يحق له طلب الرد بعد مرور خمس سنوات من تاريخ السحب أو الإسقاط. يجوز لوزير الداخلية ردها قبل هذه المدة إذا كان قرار السحب مبنياً على غش أو خطأ.
ثانياً: إجراءات طلب رد أو استرداد الجنسية:
يجوز لمن فقد الجنسية المصرية أن يتقدم خلال عام من تاريخ فقدها بطلب لرد الجنسية، كما يجوز للأبناء الذين فقدوها قبل بلوغهم سن الرشد أن يقرروا بعد بلوغهم هذا السن اختيار الجنسية المصرية . ويصدر قرار الرد خلال شهر من تاريخ تقديم الطلب ، كما ينسحب أثر القرار على الأولاد القصر .
لاجراءات والمستندات :
1 ـ يتعين التوقيع على طلب رد الجنسية المصرية من صاحب الشأن شخصيا أمام المختص ، وفى حالة الوكالة لاجرائه بالمصلحة بالداخل يلزم توكيل خاص بطلب رد الجنسية.
2 ـ يلزم تقديم المستندات المثبتة لحصول الطالب على الجنسية الاجنبية فعلا .
3 ـ يقدم مع الطلب شهادة ميلاد الطالب وشهادة ميلاد والده اذا لم يكن سبق تقديمها .
4 ـ يتعين على الزوجة التى جنسيتها بالتبعية لفقد زوجها اياها أن تتقدم بطلب مستقل عن طلب الزوج اذا رغبت فى رد الجنسية المصرية لها ، ويتخذ بالنسبة لطلبها نفس الاجراءات المتبعة بالنسبة لطلب الزوج أضغط هنا للحصول على النموذج (Request for Retrieving Egyptian Citizenship for wife ).
يستغرق وصول رد وزارة الداخلية حوالي 6 أسابيع .
تتولى القنصلية مراجعة المستندات المقدمة ثم ارسالها الى مصلحة جوازات السفر والهجرة والجنسية ، ويستغرق رد المصلحة من 6 الى 8 أسابيع وعلى المواطن متابعة القسم القنصلى للحصول على الرد
ثالثاً: تطبيقات قضائية وواقعية:
وبالنظر الي تطبيقات المحاكم المصرية في هذا الشأن نجد العديد من الاحكام ونذكر منها:
نص المادة12من القانون رقم26لسنة1975بشأن الجنسية المصرية – يدل على أن المصرية التى تتزوج من أجنبى لا تفقد الجنسية المصرية بقوة القانون كأثر مباشر للزواج بل يجب لكى تفقد هذه الجنسية أن تعلن عن رغبتها في الدخول في جنسية الزوج وأن يقضى قانون دولة الزوج بمنح الزوجة جنسية الزوج وأن يكون عقد الزواج صحيحاً وفقاً لأحكام القوانين السارية في جمهورية مصر العربية ويجوز لها استرداد الجنسية فور الطلب وبقوة القانون عملاً بنص المادتين13،14من هذا القانون.
الطعن رقم ۳۲٤٤ لسنة ٦۲ ق – جلسة ٤ / ۱ / ۱۹۹٦
مكتب فنى ) سنة ٤۷ – قاعدة ۲٤ – صفحة ۱۰٥ (
رابعاً :المشاكل العملية:
1 -صعوبة إثبات دخول جنسية أجنبية: يشترط القانون تقديم ما يثبت أن الشخص دخل فعلاً في الجنسية الأجنبية[3]. بعض الدول لا تصدر وثائق واضحة تؤكد هذا، مما يؤخر الطلب.
2– المدة الزمنية والإجراءات: تستغرق خدمة الرد نحو 3 أشهر، وفي بعض القنصليات قد يمتد الرد إلى 6–8 أسابيع إضافية، ما يسبب قلقًا لمن ينتظر العودة إلى حقوقه.
3– الرسوم والتكاليف: قد يرى البعض أن الرسوم المتعددة (طلب + رسوم إدارية + خدمة إلكترونية) مرهقة، خاصة عند المقارنة بدول أخرى تمنح خدمة الاسترداد بالمجان.
4– ازدواج المستندات: كثير من الحالات تتعطل بسبب عدم توافق بيانات شهادات الميلاد أو اختلاف الأسماء بين جواز السفر الأجنبي والوثائق المصرية؛ وقد يُطلب في حالات معينة شهادة ميلاد الجد مما يصعب جمعه.
5– التعامل مع الزوجات في الخارج: تتطلب المادة 13 أن تقدم المرأة طلباً منفصلاً، لكن بعض الزوجات المقيمات بالخارج يجدن صعوبة في الحضور الشخصي لتوقيع الطلب أو استخراج توكيل خاص.
استرداد الجنسية المصرية حق أصيل كفله قانون الجنسية للمواطنين الذين فقدوا جنسيتهم لأي سبب، سواء نتيجة التجنس بجنسية أجنبية أو بسبب الزواج من أجنبي. ويتضمن إجراءات واضحة ينبغي الالتزام بها، بالإضافة إلى شروط زمنية ومطلوبات وثائقية. تظل بعض المشكلات العملية قائمة مثل صعوبة إثبات الدخول في الجنسية الأجنبية، وطول مدة الانتظار، وكثرة الأوراق. إلا أن القانون يضمن في النهاية عودة الشخص إلى جنسيته المصرية واعتباره مزدوج الجنسية داخل مصر.
ننصح – كمكتب دكتور مصطفى الروبي للمحاماة والاستشارات القانونية – كل من يسعى لاسترداد الجنسية المصرية ببدء الإجراءات مبكرًا، وتجهيز المستندات اللازمة، والاستعانة بمتخصص لضمان الالتزام بالقانون وتجنّب التأخير. فاستعادة الجنسية ليست مجرد إجراء إداري، بل استعادة لهوية وانتماء؛ لذا يستحق الأمر العناية والاهتمام اللازمين.
كتابة واعداد الدكتور مصطفى الروبي
